منذ أسبوع ترقب المواطنون في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي ما بشر به زعيم الجماعة من “تغييرات جذرية” قال إنه سيجريها لمصلحة الشعب، وفي يوم احتفال جماعته بالمولد النبوي (الأربعاء)، جاء خطابه أشبه بفقاعات كلامية مكررة تزيد من الغضب الشعبي ضده وجماعته وتؤكد للشعب استهانة هذه المليشيا بمعاناة الناس.
أعلن عبد الملك الحوثي، في خطابه في يوم المولد النبوي هذا العام، عن إعادة تشكيل الحكومة التابعة لجماعته بحيث تكون “حكومة كفاءات”، مشيراً إلى أن إجراءات تغيير هذه الحكومة ستشمل تقليص ما سماه التضخم في هيكلها، إضافة إلى “تصحيح وضع القضاء” وفتح المجال فيه لاستيعاب علماء الشرع وفتح مسار لإنجاز القضايا بسرعة.
وعلى صعيد التسوية السياسية قال إنه ينصح التحالف العربي (السعودية والإمارات) بالاستجابة لمساعي السلام التي تقوم بها سلطنة عمان. دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى عن مسار تقدم المفاوضات بين جماعته والمملكة العربية السعودية. وبدلاً من ذلك تحدث عن تمسك جماعته بشرط تقاسم عائدات النفط والغاز لدفع مرتبات الموظفين، كما تطرق إلى إعادة الإعمار وإيقاف ما يسميه “العدوان والحصار والاحتلال”، ملوحا بما تمتلكه جماعته من سلاح لاستئناف الحرب في حال لم تنفذ هذه المطالب.
الحوثي الذي يبدأ خطاباته العامة بمحتوى فضفاض ويطعّمه بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي يفسرها بحسب مصلحة جماعته وفئته، لم يأت في خطابه بمناسبة المولد النبوي هذا العام بجديد يواكب تطلعات المواطنين، وهو الذي ألقى عدداً من الخطب خلال الأسابيع القليلة الماضية في محاولة لحشد الناس من أجل حضور فعالية المولد التي أقيمت في ميدان السبعين بصنعاء.
وفيما كرر الحديث عن الجاهلية والطاغوت واللوبي اليهودي والصهيوني والقوى الظلامية والكرامة الإنسانية… وغيرها من اللوازم التي اعتاد التطرق إليها في خطاباته، استمر أيضا في استخدام الدين الإسلامي والقرآن لإقناع الناس بأن جماعته ملتزمة به على مستوى التدين والحكم والتعامل مع الآخرين بمن فيهم من سماهم “الكفار”.
قال عبد الملك الحوثي، إن القرآن يحمي المجتمع من التسلط الفردي والفئوي ويمنع الاستبداد وامتهان الكرامة الإنسانية. وهي الأشياء التي تمارسها جماعته ضد اليمنيين في مناطق سيطرتها، وقد أصبحت الشواهد على ذلك كثيرة ويعرفها اليمنيون وغير اليمنيين. قال أيضاً إنه يكرر تمسك جماعته بمبدأ الشراكة الوطنية، وهذا تناقض آخر بين ما يقوله وما يمارسه وجماعته على الواقع الذي يستحوذون فيه على مركز القرار في كافة المؤسسات الرسمية التي اعتمد فيها التعيين على النَسب الهاشمي ودرجة استجابة الأشخاص المعينين لإملاءات مشرفي الجماعة وقيادات الصف الأول من أقارب وتابعين.
وفي سياق حديثه عن “التغيير الجذري” الذي بشر به الأسبوع الماضي وانتظره الناس متوقعين أن يتحدث عن انفراجات كبيرة في حياتهم الصعبة تحت حكم جماعته الإمامية، قال إن هذا التغيير يجب أن يعتمد على “الانتماء الصادق للهوية الإيمانية”، زاعماً أن الشعب اليمني عانى في الماضي من انعدام المشروع الحضاري. وهو ما يشير إلى أن المليشيا الإمامية ماضية في سياستها لطمس معالم وآثار الحضارة اليمنية الضاربة في جذور التاريخ، لكنها تمضي في ذلك ببطء خشية انفجار الاحتقان الشعبي في وجهها بأي لحظة.
ولم يتطرق الحوثي إلى الاحتقان الشعبي الذي عبر عنه غضب المواطنين على إثر تمزيق العلم الجمهوري على يد عسكر جماعته ومنع الناس من الاحتفال بعيد ثورة 26 سبتمبر في صنعاء عشية عيد الثورة، لكنه ألقى كلمة مساء الثلاثاء قال فيها إن جماعته ليست ضد الجمهورية، ملمحاً إلى أنه يريد جمهورية مفصلة على مقاس مشروعه الطائفي في الحكم وموالاة اليمنيين له ولجماعته، وهو ما حصل عليه من خلال هتاف جمهوره المستمع لخطابه يوم المولد النبوي: “فوضناك فوضناك”.
ورغم هذا الهتاف الذي قد يعتمد عليه عبد الملك الحوثي في ادعاء تمثيل اليمنيين، إلا أن الهياج الجماهيري الذي شهدته صنعاء ومدينة إب وبعض المدن الرئيسة احتفالاً بالعيد 61 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، يدل على أن الاحتقان الشعبي ضد المليشيا الحوثية يتنامى كلما أمعنت في الانتقاص من الثوابت الوطنية والمكاسب الشعبية التي تمثل لليمنيين إرثا غير قابل للمساس به.
وشهدت شوارع صنعاء، مساء الثلاثاء، فعاليات جماهيرية احتفاءً بثورة 26 سبتمبر، ورفع المحتفلون العلم الجمهوري رداً على قمع المليشيا الليلة السابقة لمظاهر احتفال المواطنين ومصادرة الأعلام الوطنية وتمزيق بعضها، الأمر الذي اعتبره نشطاء ومراقبون للوضع في مناطق سيطرة الحوثيين، مؤشراً على الغضب الشعبي الذي يضطرم في نفوس المواطنين تجاه العنجهية وسوء الإدارة والاستهتار بالإرادة الشعبية وامتهان الكرامة والتجويع والابتزاز التي تمارسها هذه المليشيا الإمامية.