على الرغم من مرور 72 ساعة فقط على الغارات الأمريكية البريطانية على مواقع تابعة لجماعة الحوثي في اليمن، إلا أن هذه الضربات مثلت حدثاً فارقاً في مسار الأحداث في اليمن وربما حدثاً قد يحدد مستقبل الجماعة المدعومة من إيران.
وبعيداً عن حجم ومدى تأثير هذه الضربات عسكرياً على الجماعة أو حجم الخسائر المادية والبشرية الناتجة عنها، إلا أن تأثير تداعياتها السياسية والخسائر في هذا الجانب ربما تكون أهم وأشد وطأة على وضع الجماعة حالياً وفي المدى المتوسط والبعيد.
فالضربات الجوية مثلت إعلاناً رسمياً بانقلاب تام في موقف وتعامل الغرب وعلى رأسه بريطانيا وأمريكا مع جماعة الحوثي منذ نشأتها قبل 20 عاماً في جبال صعدة، ظلت فيه بنظر الغرب مجرد جماعة مسلحة لا تشكل خطراً عليه وعلى مصالحه.
بل إنها كانت في وقت من الأوقات بنظر الغرب وتحديداً واشنطن، حليفاً غير مباشر بعد أن قدمت الجماعة نفسها عقب استيلائها على السلطة عام 2014م، كشريك في مواجهة الإرهاب في اليمن، على الرغم من الإدراك الكامل غربياً أن الجماعة ليست إلا ذراعاً من أذرع المشروع الإيراني في المنطقة.
ومثَّل هذا الموقف الغربي من الجماعة أحد الأسباب التي أسهمت في منع هزيمتها عسكرياً خلال الحرب التي اندلعت في مارس 2015م، متجاهلاً كل التحذيرات التي كانت تصدر عن خصوم الجماعة من خطورة التواطؤ معها وإبقاء سيطرتها على اليمن الذي يشرف على واحد من أهم المضائق المائية بالعالم وهو باب المندب.
الموقف الغربي وإلى جانبه الفساد والعبث الذي أدارت به الشرعية في عهد الرئيس السابق هادي ملف الحرب باليمن، أدى مع أواخر عام 2020م إلى قناعة لدى التحالف بفشل الخيار العسكري ضد الجماعة الحوثية والتوجه نحو خيار السلام، ولو كان ثمنه تنازلات مؤلمة لصالح الجماعة على حساب الشرعية.
وتجسد ذلك في الهدنة الأممية التي تم الإعلان عنها في أبريل من عام 2022م والتي لا تزال سارية المفعول رغم رفض الجماعة الحوثية تجديدها، وهو ما أدى إلى مفاوضات سرية بينها وبين الرياض برعاية عُمانية أنتجت ما تسمى بخارطة الطريق والتي يراها خصوم الجماعة بأنها عبارة عن مزيد من التنازلات لصالحها.
هذه التنازلات باتت اليوم مهددة بالضياع من يد الجماعة، بعد أن تجمد مشهد السلام تماماً في اليمن على وقع الضربات التي شنتها واشنطن ولندن فجر الجمعة، على مواقع الجماعة رداً على رفضها التوقف عن استهداف الملاحة الدولية بالبحر الأحمر.
فعقب ضربات الجمعة، غاب الحديث عن خارطة السلام بعد أن كان من المتوقع أن يتم التوقيع عليها مطلع الشهر الحالي، بل أن المراقبين والمحللين يتوقعون أن يؤثر ذلك على مشهد السلام بشكل كامل وأن يُعاد صياغة خارطة الطريق بعد اختلاف وضع الجماعة الحوثية وفي ظل انقلاب موقف الغرب.
أو على أقل تقدير أن تتراجع الجماعة في موقفها الذي عرقل التوقيع على خارطة الطريق وأن تقبل بها دون أي شروط أو مطالب وتتخلى عن ابتزازها للحصول على تنازلات أكثر من جانب السعودية أو مجلس القيادة الرئاسي.
كما أن التصريحات الأمريكية بإمكانية إعادة الجماعة الحوثية إلى قوائم الإرهاب ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن للجماعة في خطابه الذي وجه إلى الكونجرس السبت، بأنها “تنظيم إرهابي”، قد يخلط مشهد ومسار السلام في اليمن ويضعف موقف الجماعة بشكل كبير.
وإلى جانب الموقف الغربي فإن ما يعمق من أزمة الجماعة سياسياً، هو الموقف الذي أبدته روسيا والصين في مجلس الأمن من القرار الذي صاغته أمريكا واليابان الخميس، لإدانة هجمات جماعة الحوثي ضد الملاحة الدولية والمطالبة بوقفها.
القرار الذي صدر الخميس، كان لافتاً إشارته إلى “حق الدول الأعضاء في الدفاع عن سفنها ضد الهجمات” وهو ما مثَّل غطاءً دولياً لضرب الجماعة الحوثية من قبل أمريكا وبريطانيا، وكان يمكن عرقلته باستخدام حق الفيتو من قبل روسيا أو الصين إلا أنهما اكتفتا بالامتناع عن التصويت، في موقف واضح للإجماع الدولي برفض “القرصنة والبلطجة” التي تقوم بها الجماعة ضد الملاحة الدولية.
هذه الخسائر السياسية الفادحة والعزلة التي تعاني منها الجماعة الحوثية يضاف لها المأزق العسكري الذي وضعت الجماعة نفسها فيه، حول خيارات الرد على الضربات الجوية، ومدى قدرتها في رفع التصعيد بوجه أمريكا وبريطانيا والغرب خلال الأيام القادمة، خاصة بعد أن رفعت السقف عالياً قبل حدوث هذه الضربات.
وما يؤشر على ذلك، هو امتناع الجماعة منذ ضربات الجمعة، عن التهديد صراحة باستهداف الملاحة التجارية المدنية لكل من: أمريكا وبريطانيا، تنفيذاً لتهديد زعيم الجماعة في آخر خطاب قبل يوم واحد من الضربة، هدد فيه باستهداف ملاحة أي دولة تقوم بالاعتداء على الجماعة.
حيث اكتفت كل البيانات والتصريحات الصادرة عن الجماعة عقب الضربة وقياداتها بالاستمرار في مواصلة استهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، دون التهديد باستهداف سفن أمريكية أو بريطانية، على عكس تهديداتها قبل الضربة.
هذا الامتناع والذي قد يعد رسالة عن عدم رغبة الجماعة في التصعيد، إلا أنه يعكس مأزقها في الرد على ما تعرضت له من ضربات في ظل عجزها عن الرد واستهداف القطع العسكرية أو القواعد الأمريكية والبريطانية بالبحر الأحمر والمنطقة، بل إن نجاحها في ذلك قد يفتح عليها باباً من الانتقام والرد كما حصل مع تنظيم القاعدة في اليمن عقب استهدافه للمدمرة الأمريكية كول في عدن عام 2000م.