أعطى الاهتمام الاستثنائي من قِبل جماعة الحوثي بدعم وتوسيع بنيتها التحتية العسكرية تحت الأرض مؤشّرات سلبية بشأن نواياها في الانخراط في عملية سياسية تفضي إلى إنهاء الصراع المسلّح في اليمن سلميا، وكشف استعدادها لحرب طويلة الأمد يبدو أن الجماعة تضع في حساباتها إمكانية توسّعها إلى صراع إقليمي شامل وإلى مواجهة مع قوى دولية أوسع نطاقا من المواجهة الدائرة حاليا ضدّ تحالف حارس الازدهار بقيادة الولايات المتّحدة الأميركية.
وكشفت صور للأقمار الاصطناعية وكذلك أشرطة فيديو دعائية بثتها جماعة الحوثي ذاتها وتصريحات لعدد من قيادات الجماعة عن تطور مشهود في الأنفاق ومستودعات السلاح ومواقع تجميع المقاتلين التي أقامها الحوثيون تحت الأرض.
ونقلت مجلة نيوزويك الأميركية عن نصرالدين عامر نائب رئيس الهيئة الإعلامية للحوثيين قوله “في ما يتعلق بالأنفاق فهي ليست جديدة على هيكلنا العسكري وما تم تقديمه لا يكاد يذكر أمام البنية التحتية التي نمتلكها لأنها مجرد أنفاق صغيرة للأفراد”، مؤكّدا امتلاك الجماعة لـ“بنية عسكرية متكاملة” تعتبر من أهم عوامل صمودها العسكري.
فابيان هينز:التحصن تحت الأرض جزء من العقيدة القتالية للحوثيين واهتمّ فابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، بتحليل صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة لقواعد جماعة الحوثي تحت الأرض، مستنتجا أنّ الجماعة تقوم باستثمار كبير في تلك المنشآت وذلك على اعتبارها جزءا رئيسيا في عقيدتها القتالية.
وتوصّل هينز من تحليل الصور إلى وجود علامات على إنشاءات جديدة ومداخل أنفاق في منشآت تحت الأرض في محافظة صعدة المعقل الرئيسي للحوثيين، وفي قاعدة الحافة بمديرية شعوب على المشارف الشرقية للعاصمة اليمنية صنعاء وفي قاعدة جبل عطان للصواريخ غربي المدينة.
وقال الباحث في تقرير له “منذ فترة طويلة كان الناس يقولون إنه في عصر الحرب الجوية الدقيقة لا يمكنك حقا استخدام المرافق والمنشآت الأرضية لأنّ المداخل وفتحات الهواء ستُقصف وتتحوّل تلك المنشآت إلى قبر لمن بداخلها”.
لكنه استدرك قائلا “يبدو أن الحوثيين يرون ذلك بشكل مختلف تماما.. فقد تمكنوا من تجديد المنشآت الموجودة تحت الأرض التي تم تدميرها وقُصفت مداخلها من قبل التحالف العسكري الذي قادته السعودية، ومازالوا ينظرون إلى التحصّن تحت الأرض كأسلوب ناجع في القتال”. وأظهر أحد الفيديوهات مقرا عسكريا تحت الأرض يحمل شعار الحوثيين وصورا لقادتهم السابقين والحاليين وللأعلام اليمنية والفلسطينية وخرائط لخليج العقبة وموانئ جنوب إسرائيل.
ويعتبر الاعتماد على البنى العسكرية تحت الأرض أسلوب قتال مشتركا بين القوى الحليفة لإيران والمرتبطة بها، على غرار حزب الله الذي بادر منذ فترة طويلة بإنشاء شبكة معقّدة من الأنفاق ومخازن الصواريخ وسائر أنواع الأسلحة في مناطق جنوب لبنان، ما ساعده على مواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية القوية والمتطورة، وكذلك فعلت حركة حماس في غّزة على الرغم من أنّ تضاريس القطاع لا تمنحها نفس الميزات التي تمنحها تضاريس جنوب لبنان وشمال اليمن لكل من حزب الله وجماعة الحوثي.
ويبدو أنّ إيران هي صاحبة التجربة الأم في التحصن عسكريا بباطن الأرض، حيث بادر الإيرانيون بإنشاء مجمعات ضخمة تحت الأرض لحماية برنامجهم النووي تتضمن ما يُعرف بـ“المدن الصاروخية” مترامية الأطراف. وأوضح هينز أن البنية العسكرية التي أقامها الحوثيون تحت الأرض تشمل مداخل كبيرة بما يكفي لاستيعاب المركبات، مما يشير إلى أنها يمكن أن تستضيف معدّات إستراتيجية مثل الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والصواريخ المضادة للسفن. وأضاف أنّ تلك المواقع لا تقتصر على تخزين الأسلحة والمعدّات ولكنّها تدعم أيضا عملية إنتاجها محلّيا.
ورجّح ووكر ميلز، الضابط في مشاة البحرية الأميركية والمهتم بدراسة حرب الأنفاق، أن الهياكل الجوفية للحوثيين تستخدم لتخزين وبناء الأسلحة وحماية العناصر الرئيسية للبنية التحتية العسكرية للجماعة. وقال إنّها قابلة أيضا للاستخدام في تعزيز العمليات الهجومية. وأضاف متحّدثا للمجلة الأميركية “يمكن للحوثيين إعداد أسلحتهم لإطلاق النار داخل هذه المنشآت ثم الخروج منها وإطلاق النار ثم العودة إلى الداخل، وهذا من شأنه أن يحد من تعرضهم للضربات، لكن القدرة على القيام بذلك تعتمد على كيفية بناء المنشآت ومكانها”.
لكنّ التحدي الأكبر لأعداء الحوثيين، يظل حسب ميلز، الجزء غير المعروف من بناهم العسكرية تحت الأرض. واستدرك الضابط الأميركي بالقول “قد يكون من الصعب إخفاء وجود منشآت تحت الأرض، ولكن تحديد حجمها وشكلها وخصائصها بالضبط ناهيك عما يحدث بداخلها من الصعب للغاية إن لم يكن من المستحيل تحديده”، واصفا العمل تحت الأرض بأنّه “وسيلة مجربة وحقيقية لإبقاء أفعالك ومعداتك بعيدة عن أعين المتطفلين وقد نجحت في ذلك كل من فيتنام وكوريا الشمالية وأفغانستان”.
وتتمتع الولايات المتحدة بخبرة في التعامل مع الأعداء تحت الأرض في البلدان الثلاثة بدرجات متفاوتة من النجاح. وفي السنوات الأخيرة أطلقت وزارة الدفاع البنتاغون العديد من مبادرات التدريب القتالي تحت الأرض واستثمرت في قدرات أكثر قوة لاختراق المخابئ. ومع ذلك فإن مثل هذه العمليات تمثل عقبات لوجستية فريدة من نوعها تتطلب موارد كبيرة كما أن الطبيعة الغامضة للمنشآت المعنية يمكن أن تحد من القدرة على تقييم مدى نجاح الهجمات.