وسط الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد، تخلّت الكثير من الأسر اليمنية عن احتياجات عيد الأضحى، في ظل ضعف القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم.
ويترافق ذلك مع عدم انتظام مرتبات موظفي القطاعات الحكومية، وتمدد نسبة الفقر إلى أكثر من 82%، طبقًا لمنظمات الأمم المتحدة.
وتواصل الظروف المعيشية في اليمن تفاقمها، في ظل استمرار الانهيار المتسارع وغير المسبوق للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ما يخلق تحديًا جديدًا، يضاعف من حجم الأزمة الإنسانية الأسوأ حول العالم.
وسجّل الريال اليمني الخميس، انهيارًا تاريخيًا أمام الدولار والعملات الأخرى، في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، بعد أن وصلت قيمة الدولار الأمريكي الواحد إلى 1825 ريالًا يمنيًّا في التداولات المصرفية بالعاصمة عدن.
وينعكس تدهور العملة الوطنية، على ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية، في ظل اعتماد السوق المحلية في البلاد على الاستيراد بنسبة تتخطى 96%، لتغطية احتياجاتها.
الموظف الحكومي عبدالحكيم الدابية اشترى من أحد تجار المواشي المعروفين لديه في محافظة أبين، جنوبًا، خروفًا بشكل آجل، على أن يدفع ثمنه بالتقسيط، بواقع 15 ألف ريال يمني عن راتب كل شهر يتسلمه، على مدى قرابة عام واحد.
ويقول الدابية، الأب لثلاثة من الأبناء، في حديثه لـ”إرم نيوز”، إنه باع الخروف في اليوم التالي حتى يتمكن من توفير الحد الأدنى من المتطلبات الغذائية لأسرته، وتسديد جزء يسير من دينه، وإدخال الفرح والسرور إلى قلب طفلته الصغرى عبر شراء ثوب جديد لها، لكنه عبّر عن قلقه من تأثير المبلغ الذي سيُقتطع منه شهريًّا ابتداء من الشهر الجاري، على حياة أسرته.
وفي وقت عزفت فيه بعض الأسر عن عادة مغادرة المدن، والسفر إلى بلداتها الأصلية في القرى والأرياف سنويًّا، خلال عيد الأضحى وإجازته؛ كان لافتًا تزاحم بعض الشباب في اليومين الماضيين، بالعاصمة المؤقتة عدن، على أبواب مغاسل الملابس الأتوماتيكية، لغسل وكيّ أحدث الثياب المستعملة، حتى تبدو جديدة، وبما يمكنهم من ارتدائها في العيد.
الظروف الأسوأ
ويشير رب الأسرة، فهمي عبدالرب، إلى أن عيد الأضحى جاء في ظل أسوأ ظروف اجتماعية ومعيشية وخدمية وغلاء فاحش، ما سلب الكثيرين فرحة استقباله.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن الظروف غير المسبوقة ستحرم عائلتهم الكبيرة من أجمل عادات العيد، “إذ كنا نجتمع نحن الأشقاء والشقيقات في منزل الوالدين ونقوم بذبح أضحيتين، وسط أجواء وطقوس مليئة بالفرح والسرور، لكن الوضع تغير وأصبحنا مؤخرًا نذبح أضحية واحدة، وفي العام الحالي لن تكون هناك أضحية، ولربما نفقد هذه الأجواء”.
ويأتي الانهيار التاريخي للريال اليمني في أعقاب إجراءات اتخذها البنك المركزي اليمني في مناطق الحكومة، لتعزيز سيطرته المالية وتوفير الحدّ الأدنى من المعايير المصرفية، في مواجهة التهديدات التي تشنها ميليشيا الحوثي على الاقتصاد الوطني.
اضطرابات وهلع وحالة من عدم الثقة بالريال.
حسين الملعسي، رئيس مؤسسة “الرابطة الاقتصادية”
ويرى رئيس مؤسسة “الرابطة الاقتصادية”، الدكتور حسين الملعسي، أن قرارات المركزي اليمني الأخيرة، وردود الفعل المعاكسة من قبل بنك صنعاء الخاضع للحوثيين، “تسببت في اضطرابات وهلع وحالة من عدم الثقة بالريال المعمول به في مناطق الحكومة”.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن من أسباب تدهور الريال حاليًا، وجود خلل بين عرض العملات الأجنبية والطلب عليها، إذ يبدو هناك طلب كبير لأغراض مختلفة، أهمها استبدال الريال بكل طبعاته إلى عملات أجنبية، نظرًا لحالة الهلع، وإضافة إلى بروز طلب مصطنع، مرتبط بإجراءات وقف التعامل مع 6 بنوك في مناطق الحوثيين.
وذكر الملعسي أن تراجع الثقة في الريال اليمني جاء بعد زيادة عرضه، خاصة بعد عمليات المبادلة بين الريال في عدن وفي صنعاء، بسعر تبادل للريال الواحد مقابل 3.35 ريال، وهو ما تسبب في زيادة عرض الريالات، وزيادة الطلب على العملات، فضلًا عن عوامل أخرى اقتصادية ونقدية، واستخدام العملة الوطنية كوسيلة سياسية في الصراع الدائر.
الانهيار ناتج عن عوامل سياسية لا اقتصادية.
يوسف سعيد، خبير اقتصادي
ومن جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور يوسف سعيد، أن تحويلات المغتربين المالية قبيل العيد، يفترض أن تؤدي إلى زيادة المعروض في سوق الصرف الأجنبي، وأن ترفع العملة الوطنية أو تستقرّ بها على الأقل، خاصة بعد انتهاء موسم استيراد حاجات عيد الأضحى، لكن ما يحدث العكس، “إذ نلاحظ استمرارا للتدهور وبوتيرة متسارعة”.
وبيّن أن ما يحدث من انهيار “ليس ناتجا عن عوامل اقتصادية مرتبطة بندرة المعروض منه، بل عن عوامل سياسية تهدف إلى ضرب العملة الوطنية في مناطق الحكومة”.
وقال سعيد إن على السلطة النقدية في الدولة “الوقوف بجدية أمام ما يجري، وتفعيل دور القانون تجاه المتلاعبين، واتخاذ إجراءات من بينها دراسة خيار تغيير نظام سعر الصرف، لأن الدول يجب أن تعتمد نظام سعر يستجيب لحاجاتها الاقتصادية والاجتماعية، وليس سعر صرف بعينه