يعيش السكان في محافظة الحديدة اليمنية على ساحل البحر الأحمر تحت وطأة سلسلة طويلة من الانتهاكات الحوثية، بدءا من أعمال القتل ونهب الأراضي وصولا إلى الزيادة الكبيرة في تعرفة استهلاك الكهرباء، بالتزامن مع تردي الأوضاع المعيشية واتساع رقعة الفقر.
أحمد وهو من سكان المدينة اكتفى بذكر اسمه الأول خشية الانتقام، لخص لـ«الشرق الأوسط» بعض سلوك الميليشيات في المدينة التي يوجد بها ثاني أكبر موانئ البلاد، وقال إن عناصر الجماعة «يغطون على نهبهم للمال العام بإجراءات عقابية بحق السكان الذين يتأخرون أو لا يستطيعون دفع فواتير استهلاك الكهرباء».
ويشاطره القول في ذلك الشاب مازن الذي يؤكد أن ممارسات مؤسسة كهرباء الحديدة بلغت حدا غير معقول حيث تشترط على المستهلكين تسديد الفاتورة خلال يوم واحد فقط وإلا فسيتم فصل الخدمة ومصادرة عداد الاستهلاك.
ويضيف «لا يكتفي عناصر الميليشيات بذلك بل يقومون بقطع الخدمة عن المستهلك إذا قام بالحصول عليها من مولدات القطاع الخاص، ويصادرون الألواح الشمسية والبطاريات إذا كان لدى المستهلك منظومة طاقة شمسية خاصة».
وبغضب يقول مازن «لم يبق سوى أن يأخذ الحوثيون أبناءنا كرهائن إلى حين سداد فاتورة الكهرباء، وكأنهم لايعلمون أن الكهرباء مؤسسة حكومية وأنهم موظفون صبروا سبع سنوات دون رواتب».
وعقب أيام من توزيع الحوثيين إنذارا إلى السكان تقول آمنة إنها تسلمت فاتورة استهلاك الشهر الماضي بمبلغ 40 ألف ريال (حوالي 90 دولارا) وطلب منها السداد الفوري أو الفصل المباشر للخطين التجاري والحكومي، وتضيف أنه «تم الفصل فعلا».
وتوضح أنها ذهبت إلى مالك مولد خاص لإيصال الكهرباء إلى منزلها، إلا أن المندوبين الحوثيين الذين يعملون في مؤسسة الكهرباء التي يفترض أنها حكومية هددوا التاجر بسحب جميع المولدات إذا لم يقم بفصل التيار عنها، ولهذا رضخ للتهديد وقام بفصل التيار عن منزلها. وتتحدث المرأة وهي في العقد الخامس من العمر عن وضع السكان في الحديدة وتقول «نحن بلا كهرباء وبلا كرامة ببركات لجان الفصل القادمة من صنعاء بكل عنجهية وكبر وغرور وهي اللجان التي رصدت لها مخصصات مالية ضخمة تكفي لسداد مديونية سكان الحديدة كلهم» بحسب تعبيرها. من ناحيته، يطالب عبد الإله وهو أحد الموظفين الحكوميين بجعل الكهرباء في المدينة مجانية باستثناء الفنادق والمنتجعات والمحلات التجارية، بسبب بؤس الوضع المعيشي الذي وصل إليه السكان، وحتى يكفر الحوثيون عن ذنوبهم التي تمارس في حق الناس.
ويقول «في كل عام ولكهرباء الحديدة قصة مفتعلة، فقد تسلّخت جلود أبنائنا وطفحت أجسادهم بقروح غريبة» ويجزم أنه «لم يسبق الحوثيين في البشاعة وانعدام استشعار المسؤولية أحد».
ووفق ما ذكره سكان وعاملون في قطاع الكهرباء لـ«الشرق الأوسط» فإن الحوثيين أرسلوا من صنعاء فريقا يضم العشرات من الموظفين مهمته إصلاح تحصيل فواتير الكهرباء في الحديدة ورصد لهؤلاء تكاليف مالية يومية كبيرة جدا، وأفادوا بأن الفريق كشف عن وجود فاقد في التوليد بما يعادل 3 مليارات ريال (الدولار حوالي 560 ريالا)، ولكن الميليشيات تسعى لتعويض هذا المبلغ من صغار المستهلكين من خلال رفع تعرفة الاستهلاك وإرغامهم على التسديد الفوري.
وتؤكد المصادر أن الفاقد الحقيقي سببه عدم دفع فواتير استهلاك بيوت ومنتجعات المشرفين الحوثيين ومن يسمون المجاهدين والعاملين في لجان حشد المقاتلين إلى جانب المرافق الحكومية والفنادق والمستشفيات الخاصة، وسرقة مالكي المولدات للطاقة من خطوط مؤسسة الكهرباء، في حين لو تمت السيطرة على منابع الفساد هذه فإنها ستغطي نسبة 90 في المائة من المبالغ المفقودة. ولا تقتصر معاناة سكان الحديدة مع الكهرباء فقط بل إنها تمتد إلى عصابات الأراضي القادمة من صنعاء والمناطق القبلية المجاورة، حيث قتل شخصان وأصيب ثلاثة من أسرة واحدة في أحدث عملية سطو على الأراضي في المحافظة التي تصر ميليشيات الحوثي على أنها ملكية عامة.
وبحسب سكان فإن مسلحين ضمن عصابة مسلحة تعمل على نهب الأراضي يقودها شخص اسمه عادل عاطف يدعمه أحد الزعماء القبليين المؤيدين للميليشيات قاموا بالبناء في أرض تخص عائلة بني عباقة في إحدى القرى التابعة لمديرية باجل شرق عاصمة المحافظة، وأنه حينما حاول أصحاب الأرض منعهم أطلق المسلحون عليهم النار فورا.
الحادثة التي وثقها أحد الضحايا بالصوت والصورة قبل مقتله أتت بعد أسابيع من قيام ميليشيات الحوثي بمصادرة أراضي عدد من القرى في جنوب المحافظة وقيامها بحجز مساحات كبيرة من الأراضي في عاصمة المحافظة بحجة أنها تخص المنطقة الصناعية.