ارتبطت صلاة التراويح بشهر رمضان، بل إنها لا تقام إلا في لياليه، وباتت منذ صدر الإسلام طقسا رمضانيا لا بد منه في كل البلاد الإسلامية.
واليمن أحد تلك البلدان التي تكتسب فيها صلاة التراويح أبعادًا اجتماعية، وليس فقط دينية أو روحانية؛ نظرًا لتأثيراتها العميقة على المجتمع بكل فئاته.
ففي ليالي رمضان، تحرص كثير من العائلات اليمنية على صلاة التراويح في الجوامع، وهي صلاة نافلة تعقب صلاة العشاء المفروضة، وتتكون من 8 ركعات، تُصلى كل ركعتين على حدة، تليها ثلاث ركعات وترية.
وما يعطيها طابعًا اجتماعيًا أن العائلات -رجالًا ونساءً- يصطحبون أطفالهم لتأدية صلوات التراويح، ويتم إحصاء الركعات من الأطفال بعد الانتهاء من كل ركعتين، في صورة مسلية بالنسبة للصغار، تعطي لرمضان نكهةً خاصة، وتربط تفاصيله بالذاكرة، ولا تفارق أذهانهم مهما كبروا.
تضييق حوثي
وفي الشرع الإسلامي، فإن حكم صلاة التراويح “سنة”، وليست فرضًا، وهو أمر مفروغ منه ومعلوم من الدين بالضرورة، ويستحب تأديته خلال ليالي رمضان عقب صلاة العشاء.
لكن هذا الاستحباب، لم يرق للحوثيين، الذين اعتبروها “بدعة” وفرضوا مذهبهم السلالي الطائفي على اليمنيين عنوة، وعطلوا طقسًا رمضانيًا محببًا كالتراويح، وحرموا اليمنيين من روحانيات هذه الصلاة، وآثارها الاجتماعية.
وتاريخ الحوثيين في هذا الجانب طويل، ولم يبدأ من شهر رمضان الحالي في هذا العام، ولكنه يمتد منذ الوهلة الأولى لسيطرتهم على صنعاء، وحرصهم على إلغاء كل ما اعتاد عليه اليمنيون منذ قرون، خدمةً لأعراضهم الطائفية.
منع تدريجي
في الوقت الذي تصدح فيه مساجد العاصمة عدن، وبقية مدن المحافظات المحررة بأصوات المقرئين الندية في صلوات التراويح خلال ليالي الشهر، تُحرم صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين من هذا الخير الرمضاني.
هذا المنع الذي مارسته مليشيات الحوثي، اتخذ مراحل متدرجة إلى أن وصل المنع النهائي، وبدأ بتوجيهات رسمية من المليشيات الإرهابية بمنع استخدام “مكبرات الصوت” في المساجد أثناء صلاة التراويح.
ووصل الأمر الذي بدأ منتصف عام 2018 إلى منع إجباري من إقامة هذه الصلاة في المساجد، وهو الوضع المشاهد اليوم، بل إنه اتخذ صورًا عنيفة من خلال اعتقال أئمة وخطباء مساجد خالفوا تلك التوجيهات الحوثية بهذا الخصوص.
كما لم يقف المنع الحوثي عند اعتقال أئمة المساجد، ولكنه طال المساجد ذاتها، من خلال إغلاق العديد منها في مدينة صنعاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة المليشيات، تحت مبرر أداء صلاة التراويح.
سياسة طائفية
يأتي المنع الحوثي لصلاة التراويح انطلاقًا من الموروث المذهبي عند المليشيات، ومحاولتها طمس الهوية الدينية والمذهبية الخاصة بالشعب اليمني، ذي الغالبية الشافعية السنية.
فتارةً يكون هذا الطمس عبر المناهج الطائفية في المدارس، وتارة أخرى من خلال هدم الطقوس الروحانية والدينية التي درج عليها اليمنيون منذ أكثر من 1400 عام.
وهو ما أكده رجال دين يمنيون أشاروا إلى تصاعد وتيرة ما وصفوه بـ”الإقصاء والتحريض المذهبي في اليمن بشكل عام”، وهو نتاج طبيعي للوضع السياسي والعسكري وانعكاساته على الممارسات الدينية والطائفية للحوثيين.
وقال رجل الدين اليمني سعيد هادي، إن صلاة التراويح تعد من الأمور التي تشرح الصدور وتبتهج فيها النفوس كونها تتم في ساعات مباركة خلال رمضان.
وأكد هادي في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أهمية صلاة التراويح في رمضان جنبا إلى جنب مع الاجتماعات الدينية بعد الصلوات التي تخلق الألفة والتراحم وتقوي علاقة الفرد بالله وهو ما ينظر له الحوثيون في مناطق سيطرتهم كمصدر تهديد لسياستهم الطائفية لتصبح في قائمة المحظورات.
وتختلف العاصمة عدن عن صنعاء المختطفة من قبل الحوثيين، حيث يؤدي “الناس هنا صلاة التراويح كما أن عدن مشهود لها بالتكافل حيث يقوم الأهالي بتبادل الزيارات، وبتقديم المأكولات المنزلية وتبادلها فيما بينهم، امتثالا لقول النبي أنه كان أجود ما يكون في شهر رمضان”، وفقا لرجل الدين اليمني.