“وادي الموت” تسمية أطلق عليها أبناء حضرموت على مناطق واديهم الشهير، نتيجة لكثرة جرائم القتل والاغتيالات التي يتعرض لها المدنيون والقيادات المحلية والاجتماعية والأمنية من أبناء مديريات وادي حضرموت.
مجمل حوادث الاغتيال والقتل التي يشهدها وادي حضرموت يجري تسجيلها ضد مجهول، دون أي تحرك فعلي من قبل الأجهزة الأمنية وقوات المنطقة العسكرية الأولى الموالية لتنظيم الإخوان والتي تعد القوة الحاكمة الفعلية لمناطق الوادي.
ما يلفت الانتباه بشكل كبير أن أغلب عمليات القتل والاغتيالات يجري تنفيذها بالقرب من مقرات ونقاط المنطقة الأولى دون محاولة لإحباطها. وعلى رغم قوام تلك القوات العسكرية الكبيرة إلا أنها ابتعدت عن كونها قوة وطنية حامية للوطن والمواطن وأصبحت عصا ترهب بها الساكنين وتعكر صفو المجتمع والحياة العامة بداخل مديريات ومناطق الوادي والصحراء.
انتشار قوات درع الوطن
خلال السنوات الماضية، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية المنددة بحالة الانفلات الأمني والمطالبة بإنهائها، مقارنة بالأوضاع المستقرة في مناطق ساحل حضرموت التي تعيشه بأمن وأمان جراء سيطرة قوات النخبة الحضرمية التي ساهمت في تحرير مدينة المكلا ومديريات الساحل من سيطرة تنظيم القاعدة في العام 2016.
تركزت المطالب الاحتجاجية في وادي حضرموت التي قادتها حركة شباب الغضب، على تنفيذ اتفاق الرياض الذي أبرم برعاية سعودية من أجل إخراج القوات العسكرية من المدن وإرسالها إلى جبهات القتال من أجل مواجهة المد الحوثي الإيراني في اليمن وإحلال قوات محلية بديلاً عنها لتأمين مناطق الوادي التي أصبحت موقعاً لتمركز العناصر والتنظيمات الإرهابية. إلا أن جناح الإخوان في الحكومة اليمنية يرفض ويماطل في تنفيذ هذا البند كون القوات المتمركزة في وادي حضرموت إحدى التشكيلات العسكرية الموالية له.
ومؤخرا شهدت المديريات الغربية من وادي حضرموت انتشارا لقوات درع الوطن، التي جرى تشكيلها بدعم من قوات التحالف من أجل تسلمها مهام تأمين المناطق الصحراوية المحاذية للمملكة العربية السعودية. وبحسب خبراء عسكريين تعد هذه القوات نواة جديدة سيتم تكليفها بديلاً عن قوات المنطقة العسكرية الأولى.
وتعتبر قوات درع الوطن قوات مشتركة تضم عناصر من أبناء محافظة حضرموت والتي تم إنشاؤها تحت تدريب سعودي مكثف بجنود مدربين تدريبا عاليا بتجهيزات عسكرية حديثة وتكنولوجيا متقدمة ما يمنحهم قدرات عالية في معالجة التهديدات ومكافحة القوى العدوانية؛ لإعادة الاستقرار ومكافحة الإرهاب في وادي حضرموت الذي يعتبر أحد أهم المواقع الاستراتيجية من حيث النشاط الاقتصادي والموقع الجغرافي الحساس، والتي تقوم بتأمين التجمعات السكانية والمنشآت الحيوية الهامة في مناطق غرب وادي حضرموت، منها خط العبر الدولي الرابط بين المحافظات الجنوبية والشمالية والمملكة العربية السعودية، ومكافحة التهريب عبر الحدود.
من الجوانب الإيجابية لانتشار قوات “درع الوطن” في وادي حضرموت يشير الصحفي “محمد هادي” لـ “نيوزيمن”، تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة كون هذه القوات قريبة جغرافيا من السكان المحليين ويمكنها التفاعل والتواصل معهم بشكل أفضل مما يساهم في بناء الثقة بين السلطات المحلية والمواطنين. علاوة على ذلك فإن قوات “درع الوطن” تعمل أيضا على تطوير بنية الاستقبال والتمويل والتدريب لتعزيز قدرات الجيش الوطني والقوات الحضرمية والهادف إلى تطوير القوات المحلية وتمكينها من تحمل المسؤولية الأمنية بشكل أكبر في المستقبل.
في حين أكد “أبو بكر محمد” أنه وعلى الرغم من التحديات المستمرة التي تواجهها هذه القوات، فإنها تعمل بجد لتحقيق أهدافها وتأمين المنطقة، داعيا إلى ضرورة دعم جهود هذه القوات وضمان توفير الموارد اللازمة لها من أجل مواصلة دورها الحاسم في الحفاظ على السلام والأمان في المنطقة.
بدوره أيد “سعيد سعد” عضو الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي الجنوبي بوادي حضرموت لـ”نيوزيمن” أن الانتشار المحلي لقوات درع الوطن في وادي حضرموت يأتي في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وحماية سكان وادي حضرموت كون قوات درع الوطن جزءا لا يتجزأ من قوات الأمن التي تهدف إلى تعزيز الأمن ومكافحة الجريمة في الأراضي الجنوبية وتتمثل مهمتها الرئيسية في حماية المدنيين والممتلكات العامة وضمان توفير بيئة آمنة ومستقرة للمواطنين بعدما عاثت قوات المنطقة العسكرية الأولى من فساد ودمار وتخريب وإرهاب للآمنين.
ولفت إلى أن وادي حضرموت يعد منطقة استراتيجية بالنسبة للمحافظات وتمتاز بتاريخها العريق وثقافتها الفريدة ومن أجل الحفاظ على هذا التراث الثقافي الغني وضمان استمرارية حياة السكان بسلام يعمل درع الوطن بالتنسيق مع السلطات المحلية والقوات الأمنية الأخرى في المنطقة. مؤكدا أن انتشار قوات درع الوطن في وادي حضرموت يتم بموجب القوانين والأنظمة المعمول بها، وفي إطار واضح للتعاون بين الجهات المختصة المحلية والخارجية.
انتهاكات مستمرة
وأصبحت انتهاكات المنطقة العسكرية الأولى واضحة للعيان، كان آخرها اقتحام مبنى شرطة أمن مديرية سيئون مركز وادي حضرموت وفرض طوق عسكري لإخراج نجل أركان حرب المنطقة العسكرية السابق يحيى أبو عوجاء، في خرق صارخ للقانون وتحد لسلطة الدولة. واستخدمت هذه القوات سلاح الدولة للإفراج عن المتهم الذي تم اعتقاله بسبب مخالفته لقواعد ونظام السير عندما كان يقود سيارته نوع ”هايلوكس“ بسرعة جنونية وباتجاه معاكس لخط السير وقام باستفزاز أفراد الأمن بألفاظ غير أخلاقية في أحد الشوارع الرئيسة في المدينة الأمر الذي تم إحالته إلى الحجز والتوقيف بقسم شرطة مدينة سيئون. ناهيك عن قيام قوات المنطقة الأولى بشن سلسلة من الاعتقالات والاحتجاز التعسفي والاستهدافات المتعمدة تجاه المواطنين والمتظاهرين الذين شاركوا في مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية للمطالبة بالأمن والأمان وإخراج هذه الألوية العسكرية من وادي حضرموت.
ويطالب المواطنون في وادي حضرموت بإخراج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت بين فترة وأخرى وإحلال بدل منها قوات حضرمية من أبناء المديريات لاستتباب الأمن والاستقرار وقطع دابر العناصر الإرهابية والقضاء على المتنفذين، وتحويل قوات العسكرية الأولى لجبهات القتال لمحاربة الحوثيين.
وشكك محافظ محافظة حضرموت “مبخوت بن ماضي” في تصريحات متعددة بولاء قوات المنطقة العسكرية الأولى وطالب بإخراجها من وادي حضرموت. موضحا أن معظم أفرادها ينحدرون من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شمالي البلاد.
وقال: “إذا كان العدو الذي نجابهه لهؤلاء عدوا فليذهبوا إلى مقاتلته، وإذا كان لهم صديق فكيف نرغب أن يكون صديق الحوثي بيننا”، مؤكدا أن البلاد تعيش وضعا استثنائيا وأن لدى أبناء حضرموت تجربة في الخذلان من قبل الجنود الذين ينحدرون من المحافظات الشمالية، في إشارة إلى عدم مقاومة الاجتياح المسلح لتنظيم القاعدة على مدينة المكلا في أبريل 2015م، مشددا في ذات السياق على ضرورة تمكين أبناء حضرموت من حماية المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط.
استفزاز شاحنات النقل
وتتمركز نقاط ألوية المنطقة العسكرية الأولى من مديرية ثمود شرق الوادي وحتى العبر غربا بأكثر من 68 نقطة عسكرية وحاجز تفتيش في الطرق الرئيسة والفرعية للمدن وتعمل على استفزاز شاحنات نقل البضائع وفرض إتاوات باهظة على التجار ما يزيد من معاناة المواطن بارتفاع أسعار السلع بالمبالغ التي تفرضها تلك القوات والتي تصل لأكثر من مليون ريال للشاحنة الواحدة القادمة من عمان والتي تمر حتى مديرية القطن إلى الغرب من وادي حضرموت، وبأسلوب استفزازي شكا منه ملاك الشاحنات الكبيرة والصغيرة وحتى كبار التجار.
ودعا عدد من التجار في تصريحات لـ”نيوزيمن” السلطات المعنية لاتخاذ إجراءات فعالة للحد من هذه الاعتداءات الاستفزازية وضمان أمن الشحنات التجارية. مشيرين إلى أن هذا النوع من الاستفزاز على شاحنات النقل التجارية من قبل قوات عسكرية مثير للقلق بشكل خاص، حيث تعتبر هذه الشاحنات العمود الفقري لحركة التجارة والتوريد في المنطقة وتؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي.