تسعى المملكة لإغلاق أي مظاهر فوضى محيطة بها، لأنها تتجه لتحوُّل اقتصادي تنموي شامل، يهتم به العالم كله وتتسابق عليه شركات ودول، باعتباره مصلحة عالمية وليست فقط سعودية أو عربية.
فالعالم يسعى للتنافس في استثمار وتحقيق الرفاهية وخدمة البشر، وإعادة تقاسم “الثروات” وإدارتها.
وفي المقابل، فإن “الخمينية” مشروع إسلاموي حقود.. يعيش في شعارت ظلامية ماضوية، نكَّل بحياة الإيرانيين أنفسهم، ثم انتقل إلى الدول العربية ونكَّل بأربع عواصم حتى الآن.. هو على النقيض من مشروع البناء الذي سعت وتسعى له الدول العربية.
اليوم يتجاور المشروعان: الخميني في شمال اليمن، والتنموي بقيادة ولي العهد السعودي داخل بلاده شمال الشمال، الخميني في اليمن.
وبهذا السياق يمكن فهم المبادرة السعودية فيما أسمته “تشجيع الأطراف اليمنية على التوصل لحل شامل”..
تقول المملكة لليمنيين: تعالوا معاً نساهم في مصالح مشتركة.. فالتنمية في السعودية ستنعكس أيضاً مصالحَ لليمنيين في الدولتين..
وحتى تجاه الصراع العبثي الذي تتسبب فيه إيران بعسكرة البحر الأحمر، فإن المملكة تتصرف بحذر شديد.. وموقفها يتطابق مع الموقف المصري الذي يتحدث عن مسئولية كل دولة في حماية العالم من حدودها براً وبحراً.
وفي مقابل ذلك كله، يبدو “الحوثي” في صراع بيني داخلي، بين من بايع مشروع إيران وبين من يرى أن المصلحة هي في مبايعة مشروع السعودية.
ففي الوقت الذي يناقش فيه الحوثيون المستحقات الشعبية المؤجلة عليهم، وينفتحون على “السلام” باعتباره المورد الوحيد المتاح أمامهم كي يتجنبوا سقوطاً اقتصادياً مروعاً للشعب الذين لن يصمدوا في قسره بالحديد والنار.. يتصدر الصخب العبثي المشترك بين جناح إيران، ومعه كل من شعر بالتجاهل أو عدم ضمان الدور في العلاقة الجديدة مع المملكة.
هذا الجناح الهائج، المتخم بالأيديولوجية العدمية يحشد كل يوم ليهدد العالم بأكمله.. يظهر فيه عبدالملك داعياً أمريكا للحرب.. ويستمر في إطلاق ألعابه النارية في البحر الأحمر، وبالأمس حشد جهداً مسلحاً كبيراً اختار له محافظة “حجة” الحدودية مع المملكة.
وكل هذه العنتريات، في ميزان ولغة الحرب والسلم، لا تعبر إلا عن صراع داخلي غير مقدور لأطرافه الاعتراف ببعضها للتحاور وبناء استراتيجية موحدة.
هي قادرة على الإضرار بكل فرص “الشمال” للنجاة.. لكنها لن تتجاوز حدود هذا الشمال المرهق المنهك.
رؤية المملكة بحاجة للسلام، ولكن هذا السلام لا يمكن ابتزازه، لأنه حينها لا يكون سلاماً أصلاً..
يقع الحوثي في خطأ جديد وهو يظن أن رؤية السعودية فرصة جديدة له لكي يقوي قدرته على حرمان اليمنيين من فرص الحياة ويستمر في حصار كل شيء لصالح أجندة الحرس الثوري الإيراني.
صحيح، لن يصنع ذلك السلام له ولليمنيين، ولكنه لا يهدد المملكة في شيء.
قرار المملكة يخصها هي وتوجهها.. هي قررت التوقف عن أي إنفاق على الحروب.. وليس نقل الميزانية من الشرعية إلى حلفاء الحوثي.
لن يعرف اليمن طريقاً للسلام والتنمية، ما لم يسقط الحوثي نفسه أيديولوجية الدم الخمينية، سواءً بالنجاة منها أو سقوطهما معاً.
وحتى ذلك الحين، ستكتفي المملكة بالمراقبة، لن يضرها شطط الحوثي، لأن هذا الشطط يرتد عليه أصلاً، فهو يظل مجموعة انشقاق أيديولوجي حتى وإن سيطر على عاصمة الجمهورية اليمنية، ستبقى سيطرته مجرد ورم سرطاني إما يتعافى منه الجسد كي يعيش أو يموتان معاً