استيقظ العالم خلال الأسابيع الماضية على حقيقة جديدة مفادها أن ميليشيا الحوثي التي كان يتم التعامل معها كسلطة في صنعاء هي في الواقع جماعة إرهابية لا تتقيد بأي قوانين وتمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة والأسلحة الاستراتيجية التي تهدد استقرار المنطقة والإقليم والعالم.
وأثبتت الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً ابتداءً بأحداث غزة مروراً بتهديد واستهداف السفن المارة في في خطوط الملاحة الدولية بالبحر الأحمر، أن هذه الجماعة على استعداد لتنفيذ أي مهام تخدم أجندة إيران وتعزز نفوذها في المنطقة ولا تتقيد بأي قوانين دولية.
ومع تصاعد التهديدات على إمدادات التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب بزعم نصرة القضية الفلسطينية، اكتشف العالم أنه كان على مدار سنوات ضحية للتضليل الذي مارسته قطر وسلطنة عمان، لصالح الجماعة بزعم أنهم أقلية مظلومة وقابلة للتعايش، بهدف التأثير على المعركة التي كانت تخوضها الحكومة الشرعية بدعم من التحالف العربي لاستعادة الدولة.
ونجح هذا التضليل في إنقاذ الميليشيات الحوثية وإيقاف العديد من المعارك الحاسمة ضدها، أهمها إيقاف القوات الحكومية في العام 2017 على مشارف صنعاء، وفي العام 2018 على بعد 2 كم من ميناء الحديدة الذي أصبح اليوم مركزاً للعمليات الإرهابية التي تنفذها الميليشيات الحوثية في البحر.
سلطنة عمان على الرغم من أن قانونها يمنع ممارسة أي نشاط سياسي على أراضيها، إلا أنها كانت على مدار السنوات الماضية مركزً لإقامة قيادات الميليشيات ووفدها التفاوضي، في حين لعب إخوان الشرعية الموالون لقطر، دوراً كبيراً في تحسين صورة الميليشيات أمام العالم، في الوقت الذي كان فيه الشعب بمناطق الحوثي يعيشون إرهاباً سياسياً وفكرياً واقتصادياً وأوضاعاً تشبه إلى حد ما أفغانستان في عهد طالبان والصومال في عهد الشباب المؤمن وغيرها من المناطق التي خضعت لفترة لحكم التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
ولم تكن سلطنة عمان مركزاً لتحركات الميليشيات الحوثية فحسب، بل مركزاً لتجمع كافة القوى المعادية للشرعية اليمنية والتحالف العربي، وسهلت لهم عقد عشرات اللقاءات مع سفراء مختلف الدول والمسؤولين في الهيئات الأممية بغرض الترويج لمظلومية الميليشيات وإمكانية التعايش معهم كسلطة حاكمة، بالتزامن مع تسهيلها لعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات والخبراء الإيرانيين إلى صنعاء.
في الوقت نفسه كانت الآلة الإعلامية لجناح قطر في حزب الإصلاح الموالي للشرعية، تروج للميليشيات وتتغنى بشكل غير مباشر بمزاعم الأمن والاستقرار في مناطق سيطرتها، في حين لا تبرز سوى المشكلات والاختلالات الأمنية في المناطق المحررة وهو ما عكس صورة إيجابية للمجتمع الدولي حول قدرة الميليشيات كسلطة حاكمة وعجز الشرعية عن إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها.
واستغلت قطر علاقتها القوية مع الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية لإلغاء تصنيف الميليشيات الحوثية “جماعة إرهابية” بعد شهر واحد من إعلانه من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب المنتمي إلى الحزب الجمهوري.
ويرى سياسيون أن تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يسمى “حارس الازدهار” لمواجهة اعتداءات الميليشيات على خطوط الملاحة الدولية، بداية مبشرة لانكشاف حقيقة إرهاب هذه الجماعة وارتهانها لأجندة إيران وزيف التضليل القطري العماني الذي استمر على مدار سنوات.
وأكد تحدي هذه الميليشيات للتحركات الدولية حقيقة أنها مجرد عصابة لا تفكر في مصالح شعبها، بقدر ما تهتم في كسب التعاطف والتأييد الذي يطيل بقاءها ويؤخر انتهاء سلطتها.
كما مثَّل قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة الميليشيات إلى قوائم الإرهاب وإن كان بتصنيف أقل، وفق مراقبين، بداية لتغير أسلوب تعامل المجتمع الدولي والدول الكبرى مع هذه الميليشيات التي كانت تعتقد تحت التضليل العماني والقطري أنه يمكن التعايش معها، وكانت تضغط على الشرعية والتحالف الداعم لها للقبول بشروطها التي كانت تتصاعد لاستمرار الحرب وإفشال أي جهود تدفع نحو إنهائها.