تصر الحركة الحوثية في اليمن على تزييف الحقائق في سبيل صناعة تاريخ لها قائم على المظلومية الكاذبة والبطولات الوهمية والسردية القصصية التي تشبه إلى حد ما قصص تنظيم الإخوان حول النشأة والبدايات.
وكما استغل الإخوان القضية الفلسطينية منتصف القرن الماضي، فإن الحركة الحوثية تستغل ذات القضية لصناعة مجد زائف قائم على أكذوبة “المشروع القرآني أو المسيرة القرآنية” وهي تسميات بريئة منهم ومن جرائمهم بحق الشعب اليمني المستمرة منذ ثماني سنوات.
وعلى الرغم من معرفة الجميع أن الحوثية هي امتداد لحركة “الشباب المؤمن” وذلك بعد انقلاب الصريع حسين بدر الدين الحوثي على مؤسس الحركة محمد عزان، إلا أن الزعيم الحالي للحركة عبدالملك الحوثي، في كلمته التي ألقاها بذكرى مصرع شقيقه، سعى إلى تزوير الحقائق واختلاق الأحداث والزعم بأن شقيقه تحرك بالمشروع القرآني لمواجهة الهجمة الأمريكية الإسرائيلية اليهودية، وهي محاولة بائسة لربط تأسيس الجماعة وشعارها المعروف بـ”الصرخة” بالأحداث الحالية في البحر الأحمر التي بدأت بهجوم الميليشيات الحوثية على السفن التجارية وتسببت بعسكرة المنطقة وتنفيذ الولايات المتحدة ضربات على مواقع عسكرية في مناطقها.
وزعم عبدالملك الحوثي أن مصرع شقيقه جاء بتحريض أمريكي وليس بسبب تمرده على الدولة وتشكيل فصيل مسلح هاجم المعسكرات والقوات الحكومية، مستنداً في حديثه إلى شعار الجماعة التي تدعو بالموت لأمريكا وإسرائيل، فيما الحقيقة أن ضحايا الجماعة هم من المسلمين اليمنيين المعارضين لفكرها المتطرف المخالف لشعارها.
وركز عبدالملك الحوثي في كلمته على تمجيد شقيقه الصريع وإظهاره بمظهر البطل الإسلامي، الذي تعرض للتنكيل والملاحقة بسبب مشروعه الإسلامي الذي استند على القرآن الكريم لهداية الأمة والتصدي للخطر الداهم عليها إثر الهجمة الأمريكية الإسرائيلية والغربية، حد زعمه.
هذه المزاعم تشبه إلى حد كبير روايات تنظيم الإخوان الذي زعم منظروه أنهم وجدوا للدفاع عن الإسلام وتحرير مصر -مركز نشأتهم- من الهيمنة البريطانية، وفي الوقت نفسه كانوا يساندون الملك ورفضوا المشاركة في ثورة يوليو 1952 التي قام بها الضباط الأحرار الذين أصبحوا هدفاً لعملياتهم الإرهابية التي لم تستهدف يوماً معسكراً بريطانياً أو نشاطاً استعمارياً.
عبدالملك الحوثي تطرق لما أسماها “الخطوات العملية” التي قام بها شقيقه الصريع لمواجهة الهجمة الأمريكية والتي لخصها في شعار الجماعة، زاعماً أن الأمريكيين الذين يرفضون حتى اليوم تصنيفهم منظمة إرهابية لم يتحملوا هذا الشعار وباشروا التحريض عليهم.
وحاول عبدالملك الحوثي تسطيح الأزمة اليمنية القائمة على انقلاب جماعة مسلحة وسيطرتها بالقوة على مؤسسات الدولة وتنفيذ المشروع الإيراني الذي يستهدف السيطرة على العواصم العربية، وتطبيق نظام “ولاية الفقيه” القائم على الحق الإلهي بالحكم بمبررات الانتماء لآل البيت، وقال “إن سبب الأزمة هو أن من وصفهم بعملاء أمريكا لم يتحملوا شعار جماعته”.
ولم يخف عبدالملك الحوثي حقيقة أن ما يسمى “المشروع القرآني” لشقيقه الصريع يشبه بشكل كامل المشروع الأمريكي للسيطرة على الشعوب، حيث تحدث في سياق كلمته عن ما أسماها “السيطرة الأمريكية” ثقافياً وفكرياً على الشعوب من خلال تزييف وعيها وطمس هويتها عبر سيطرتهم على المناهج والعملية التعليمية والخطاب الديني والمساجد والإعلام ومختلف الأنشطة التثقيفية وكذا السيطرة على القضاء بإفراغه من الدور الأساسي في تحقيق العدالة وكذا تحويل الأجهزة الأمنية والسجون إلى أداة قمع.
وهذه الخطوات هي نفسها التي سارت عليها الجماعة تحت مسمى “المشروع القرآني أو المسيرة القرآنية” والتي بدأت بطمس الهوية اليمنية العربية واستبدالها بالإيمانية والسيطرة على قطاعات التربية والتعليم والداخلية والقضاء التي توزعت على شقيقيه يحيى وعبدالخالق وابن عمه محمد علي الحوثي الذي جمع كافة الأجهزة القضائية تحت مسمى المنظومة العدلية قبل أن يعين نفسه رئيساً عليها.
وأطلق عبدالملك الحوثي لقب “القرآن الناطق” على شقيقه الصريع حسين، ولقب “فقيه القرآن” على والده بدرالدين أميرالدين الحوثي، لتجسيد ارتباطهما بالقرآن الكريم، فيما الحقيقة أنهما روجا لمشروع متطرف لا يختلف عن مشاريع الإخوان التي أنتجت لنا القاعدة والجماعات الإرهابية.
محاولات الحركة الحوثية صناعة تاريخها وتمجيد رموزها، تدحضها تصريحات المنشقين عن الجماعة مثل الأمين العام السابق لتنظيم الشباب المؤمن التي تمثل نواة الحوثية، محمد يحيى عزان، الذي تحدث في مقابلات أجريت معه عام 2007 عن حقيقة هذه الحركة وشعارها وتحولها إلى عصابة مسلحة متمردة على الدولة.
عبدالملك الحوثي في خطابه زعم أن شقيقه في الحرب الأولى لم يكن لديه أي تشكيل عسكري ولا إمكانيات عسكرية وأن السلطة شنت عدواناً على القرى والمنازل والأبرياء، غير أن عزان في أحد خطاباته أكد أن أتباع الحوثي بقيادة الصريع حسين تمردوا وأرادوا أن يقدموا أنفسهم بديلا للدولة عبر الاستيلاء على بعض المراكز العامة وإنزال العلم الجمهوري، كما قاموا بتفجير البيوت وقتل الناس بزعم أنهم متعاونون مع الدولة.
كما أكد أن الحوثيين هم الذين عرضوا مدينة ضحيان للخراب، على الرغم من توسلات الأهالي ومحاولات الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح تجنب أي مواجهات فيها، لكنهم أصروا على البقاء بالمدينة واحتلوا مركز الشرطة وفرضوا أنفسهم دولة داخل الدولة في ضحيان، فلم يكن أمام الدولة خيار إلا أن تواجههم هناك.