أثارت القرارات الأخيرة لقيادة البنك المركزي في عدن، غضب مليشيات الحوثي الإرهابية والمدعومة من إيران، التي سارعت لتهديد السعودية والتلويح بالخيار العسكري.
وأصدر البنك المركزي الخميس، قرارات قضت بإلغاء التعامل مع 6 من البنوك التجارية رفضت تنفيذ قراره بنقل مقراتها من صنعاء إلى عدن، كما وجه البنك إعلاناً يُمهد لإلغاء العملة القديمة المتداولة بمناطق سيطرة الحوثي.
قرارات وخطوات البنك أثارت غضب مليشيا الحوثي، حيث وصفها زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي في خطاب الخميس، بأنها “خطوة عدوانية ولعبة خطيرة”، و”عدوان في المجال الاقتصادي”.
زعيم مليشيا الحوثي سارع إلى مهاجمة الرياض، حيث زعم بأن “الضغط على البنوك في صنعاء يأتي ضمن الخطوات الأمريكية دعما للكيان الإسرائيلي”، وقال بأن “الأمريكي يحاول أن يورط السعودي في الضغط على البنوك في صنعاء”.
زعيم المليشيا وجه تهديدات ضمنية إلى السعودية التي قال بأنها “في غنى عن المشاكل”، مهدداً الرياض بالقول بأنها “ستقع في مشكلة كبيرة” إذا تورطت في الملف الاقتصادي، حسب زعمه.
قيادات الجماعة الحوثية سارعت على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إعادة تهديدات زعيم الجماعة الموجهة نحو السعودية، مع إطلاق تهديدات أخرى باستئناف الحرب نحوها وعلى الجبهات الداخلية انتقاماً لهذه القرارات.
وعكست هذه المواقف “المتشنجة” من قبل قيادة الجماعة الحوثية حجم التأثير لقرارات وخطوات البنك المركزي في عدن، والتي تهدد بإنهاء سيطرة وعبث الجماعة على القطاع المصرفي والمالي في اليمن منذ 10 سنوات.
كما تعكس أيضاً حجم خيبة الأمل لدى قيادة الجماعة من المناشدات التي كانت قد وجهتها مطلع شهر أبريل الماضي إلى الرياض، تطلب فيها أن تضغط السعودية على قيادة المجلس الرئاسي لوقف قرارات وخطوات البنك المركزي في عدن.
وراهنت الجماعة الحوثية على استجابة الرياض لهذه المناشدات التي غلفتها بتهديد مبطن بالحفاظ على مسار السلام وخارطة الطريق التي تم التوصل لها بعد مفاوضات سرية بين الطرفين امتدت لعامين وبوساطة عُمانية.
فشل هذا الخيار الحوثي، يراه مراقبون نتيجة طبيعية لغياب تأثير ودور الرياض في خطوات البنك المركزي، التي جاءت كنتيجة لتمادي الجماعة في العبث بالملف الاقتصادي، وخاصة قيامها بحظر العملة الجديدة عام 2019م، وصولاً إلى إقدامها على سك عملة معدنية والتهديد بطباعة عملة ورقية.
وعلى عكس السنوات الماضية، تجد خطوات البنك لمواجهة الحوثي اقتصادياً تأييداً غير مسبوق من المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا بعد تغيير الموقف من الجماعة الحوثية عقب هجماتها ضد الملاحة الدولية، وباتت اليوم هذه الدول تربط ملف السلام بوقف هذه الهجمات.
وكان لافتاً التصريحات التي أدلى بها الأربعاء، السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن، بإعلانه أن خارطة السلام التي قدمتها السعودية للأمم المتحدة لن تكون قابلة للتطبيق، بل وتأييد موقف الحكومة اليمنية برفض التوقيع “على اتفاقية سلام يكون للحوثيين الكعب الأعلى”، حسب قوله.
السفير الأمريكي الذي أشار إلى أن الحل الجذري للصراع في اليمن لا يزال بعيداً، شدد على ضرورة مواصلة المجتمع الدولي في دعم الحكومة اليمنية، معتبراً أن ذلك أهم عامل يمكن أن يساعد في دفع عملية السلام في اليمن.
تصريحات واضحة للسفير الأمريكي تكشف عن التوجه الحالي لدى واشنطن والغرب بشكل عام في تجميد مسار السلام في اليمن حالياً، مع ممارسة الضغوط على الجماعة الحوثية لوقف هجماتها البحرية عبر دعم الحكومة اليمنية.
توجه غربي بقطع مسار السلام وما يحمله من امتيازات للجماعة الحوثية، يثير غضبها وانزعاجها، وهو ما عبرت عنه تصريحات متكررة لقياداتها خلال الأسابيع الماضية حملت استجداء واضحا للرياض بمقاومة الضغوط الغربية والمضي في مسار السلام.
وهو ما يشكك في إمكانية أن تقدم الجماعة الحوثية على تنفيذ تهديداتها والقيام بأي مغامرة عسكرية نحو الرياض، وما يعنيه ذلك من نسف مسار السلام بشكل كامل والعودة لمشهد الحرب، في الوقت الذي تخوض فيه الجماعة معركة مفتوحة مع أمريكا وبريطانيا والغرب في البحر.
كما أن الجماعة تدرك أن النظام الإيراني الداعم الرئيسي لها لن يرحب حالياً بأي استهداف يطال الرياض في ظل العلاقة الجيدة بين الطرفين منذ الإعلان عن عودة العلاقات بين السعودية وإيران برعاية صينية في بكين مارس 2022م.
مشهد معقد وخيارات صعبة أمام الجماعة الحوثية في التعامل مع الخطوات الاقتصادية التي يقوم بها البنك المركزي والحكومة في عدن مسنوداً بتأييد دولي غير مسبوق، يقلص من مساحة المناورة التي كانت تحظى بها قبل مقامرتها بتهديد ملاحة العالم بالبحر الأحمر وباب المندب.