أثارت التصريحات التي أدلى بها محمد الغيثي رئيس هيئة التشاور والمصالحة، التابعة لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن، والتي أقر فيها بأن بحث قضية الجنوب لن يتم قبل “استعادة الدولة اليمنية سلما أو حربا عبر مفاوضات سلمية أو معارك مع جماعة الحوثي”، ردود فعل قوية من نشطاء جنوبيين اعتبروا أن مؤسسات الشرعية تلتف على قضية الجنوب وتسعى لتهميشها ودفع الجنوبيين إلى القبول بالأمر الواقع.
ويكرر الغيثي المفردات نفسها التي سبق أن اعتمدها رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي قبل أشهر، حيث اعتبر أن الأولوية هي لمسار التفاوض مع الحوثي، وهي معادلة تخفي سعيا لترحيل قضية استقلال الجنوب وجعلها أمرا ثانويا، واستغلال وجود المجلس الانتقالي الجنوبي داخل مؤسسات الشرعية لتحقيق أهداف لا مصلحة له فيها.
وتقوم الخطة التي تسعى الشرعية لتأسيسها على معادلة: الشرعية في مقابل الحوثيين؛ ما يعني أن الهدف من الحوار ليس إعادة توحيد الشمال عبر التفاوض، وإنما تثبيت الوضع القائم حاليا في مفاوضات سياسية تؤمّن للحوثيين حكم جزء كبير من الشمال والغرب وجعل صنعاء عاصمة دائمة له، وما تبقى سيكون دولة يمنية ثانية تجمع ما تبقى من الشمال والشرق والمحافظات الجنوبية وعاصمتها عدن، والالتفاف كليا على استقلال الجنوب.
الهدف من المسار التفاوضي ليس إعادة توحيد الشمال، وإنما تثبيت الوضع القائم وتأمين مكاسب الحوثيين
ومن المتوقع أن تدفع هذه المعادلةُ غير المعلنة المجلسَ الانتقالي إلى مراجعة موقفه من الشراكة مع الشرعية التي تأسست ضمن اتفاق الرياض وبدعم ومتابعة وضمان من السعودية لتوحيد الجبهة المناوئة للحوثيين، لكن تغيير التعاطي مع الحوثيين من التصعيد الميداني إلى التفاوض والبحث عن وقف الحرب في أقرب وقت قد يدفع الانتقالي إلى تغيير موقعه في المعادلة اليمنية والعودة إلى المطالبة باستقلال الجنوب في الوقت الحالي.
وخلال الأشهر الأخيرة لاحت داخل الأوساط المقرّبة من المجلس الانتقالي بوادر تذمّر من سياسات مجلس القيادة الرئاسي التي تهمش المهمة الأساسية المتمثلة في استعادة مناطق شمال اليمن من أيدي جماعة الحوثي، والتوجّه بدلا من ذلك نحو إبرام سلام مع الجماعة وفقا لترتيبات وصفها مقرّبون من المجلس بأنها غامضة وتفتقر إلى تفاصيل مصير القضية الجنوبية وطريقة حلّها.
كما تعاملت الأوساط ذاتها مع الترتيبات الأمنية والعسكرية التي اتخذتها السلطة الشرعية بحساسية مفرطة، سواء لجهة تأسيس قوة عسكرية جديدة مرتبطة بشخص رئيس مجلس القيادة تحت مسمّى “قوات درع الوطن” أو لجهة إعلان الرئيس العليمي عن مشروعه لدمج مختلف القوات العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين وتوحيدها تحت إمْرَته، وهي خطوة تبدو أقرب إلى تذويب عناصر قوة الجنوب وابتلاعها داخل الشرعية.
ووجد المجلس الانتقالي نفسه في وضع حرج؛ فمن ناحية أولى لم يحقق رهانه على الشراكة، التي دخلها للاستفادة من فرص الدعم السعودي للشرعية، ما كان يهدف إليه. ومن ناحية ثانية ينتقده أنصار المجلس ويتهمونه بالتخلي عن مطالب الجنوبيين، وهو وضع وجد ما يبرره خاصة في ظل عدم تحقيق الخدمات الضرورية لمناطق الجنوب.
وتصدّرت الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية في مناطق الجنوب خلال الفترة الأخيرة واجهة الخلافات بين المجلس الانتقالي وحكومة أحمد عوض بن مبارك، حيث أصبح المجلس يرى في فشل الحكومة في إدارة تلك الملفات عبئا سياسيا كبيرا عليه يجعله في وضع حرج إزاء جماهيره داخل مناطق نفوذه وعلى رأسها عدن عاصمة دولة الجنوب المنشودة.
وحمل نشطاء جنوبيون على الغيثي، الذي هو في الوقت نفسه رئيس هيئة التشاور والمصالحة ورئيس الإدارة العامة للشؤون الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ويُفترض أن يدافع عن قضية الجنوب. وحث بعض النشطاء الانتقالي الجنوبي على “إبعاد المراهقين السياسيين أمثال الغيثي”، معتبرين أن “القضية الجنوبية ليست ملكا خاصا” يمكن التصرف فيه، ولا يمكن رهنها بيد أي جهة سواء مجلس القيادة الرئاسي أو هيئة التشاور والمصالحة أو الحكومة، أو مجلس الأمن.
وفي 25 ديسمبر الماضي طالب الانتقالي بتضمين “قضية الجنوب” في المسار التفاوضي الأممي، عقب إعلان هانس غروندبرغ، المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، في بيان التزام الحكومة وجماعة الحوثي بمجموعة تدابير من أجل “وقف شامل” لإطلاق النار في عموم البلاد.
تغيير التعاطي مع الحوثيين من التصعيد الميداني إلى التفاوض والبحث عن وقف الحرب قد يدفع الانتقالي إلى تغيير موقعه في المعادلة اليمنية والعودة إلى المطالبة باستقلال الجنوب
وغالبا ما تحاول الشرعية اليمنية في خطابها الرّسمي تجنّب إثارة الخلافات مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمثّل قوّة سياسية وأمنية وعسكرية وازنة في عدد من المناطق الواقعة خارج سيطرة الحوثيين، آخذة في اعتبارها الخلافات التي كانت قد بلغت في وقت سابق حدّ المواجهة بالسلاح، قبل أن تتدخّل السعودية وتنجح في الجمع بين الطرفين عن طريق إبرام اتّفاق بينهما هو اتّفاق الرياض الذي يتعايشان الآن في ظلّه، وإنْ على مضض.
وخلال الفترة الماضية تعالت أصوات جنوبية مطالبة بفك الشراكة مع الشرعية في أقرب وقت، وبدا ذلك خاصة خلال إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام الوحدة.
وقال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إن المجلس لن ينتظر إلى ما لا نهاية، وإنه قد يراجع جميع قراراته إذا لم تسع الحكومة إلى حل مشكلة الخدمات في العاصمة عدن. وهو ما فُهم على أنه تلويح بالانسحاب من الشرعية اليمنية، بما في ذلك حكومة بن مبارك، ومن مجلس القيادة الرئاسي.
وأكّد القيادي في الانتقالي الجنوبي منصور صالح “الحاجة إلى فك ارتباط سلس ومدروس يراعي علاقات الجوار بين البلدين ويحفظ مصالح الشعبين وخصوصية الترابط الاجتماعي والاقتصادي”، داعيا إلى “مغادرة مربع الماضي القائم على ثقافة التعالي والنهب والاحتلال وعدم استيعاب حقائق ومتغيرات الواقع كما هي”.
وقال أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي قبل فترة إنّ الشراكة مع الشرعية كانت أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الانتقالي ودفعته إلى تحمّل جزء كبير من فاتورة الفساد والانتقاد والزج به في وحل نقص الخدمات وتدهور الاقتصاد.