عاد الجيش السوداني لتكثيف القصف الجوي العشوائي على مناطق مختلفة من السودان، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى بين المدنيين، وهو ما وصفته منظمة حقوقية بأنه “متعمد”، ويأتي ضمن إستراتيجية ممنهجة.
بينما قال محللون لـ”إرم نيوز” إن ذلك الاستهداف يأتي في محاولة تعويض لفشل التحركات البرية التي أطلقها الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع .
وكان القصف الجوي للطيران الحربي قد توقف خلال الأسابيع الماضية، بعد إطلاق الجيش السوداني عملية برية واسعة في عدة مواقع تسيطر عليها قوات الدعم السريع، لكن المعارك توقفت فجأة دون تحقيق تقدم يُذكر، ليعود الجيش مرة أخرى للاعتماد على القصف الجوي.
وجاء إقليم دارفور في مقدمة المناطق التي استهدفها الطيران الحربي الأسبوع الماضي، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى، ومئات الجرحى بين المدنيين.
وفي أحدث الانتهاكات جراء القصف الجوي لطيران الجيش السوداني، تعرضت مدينة الكومة شمال دارفور لقصف على سوق المدينة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 مدنيًا، وجرح أكثر من 200 آخرين.
إستراتيجية ممنهجة
“ومع تزايد الهجمات الجوية على المناطق المدنية في دارفور، أصبح من الواضح أن هذه الانتهاكات ليست عشوائية أو غير مقصودة، بل تأتي ضمن إستراتيجية ممنهجة تستهدف المدنيين لتدمير نسيجهم الاجتماعي واقتصادهم المحلي”، وفق تقرير لمنظمة مناصرة ضحايا دارفور صدر اليوم السبت.
وأكد التقرير، الذي تلقى “إرم نيوز” نسخة منه، أن “استمرار هذا النمط من الانتهاكات يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لضمان وقف هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عنها”.
وأضاف التقرير أنه “في ظل تفاقم النزاع المسلح في السودان، يستمر الجيش في استخدام الطيران الحربي لقصف المناطق المدنية في دارفور، ما يشير إلى نمط ممنهج ومتعمد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، حيث تستهدف هذه الهجمات المدنيين والبنية التحتية المدنية”.
وقال التقرير إن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني قصف منطقة كورما، يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي، بست قذائف، ما أسفر عن تدمير السوق المحلي وتلف ممتلكات المدنيين النازحين، على الرغم من أن المنطقة ليست جزءًا من مناطق النزاع المباشر، وهو ما يعزز الشكوك حول نوايا الجيش السوداني في استهداف المناطق المدنية بشكل متعمد.
وفي 30 سبتمبر الماضي، شنت الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني غارة جوية أخرى على محلية كتم بولاية شمال دارفور، حيث تركز القصف على مناطق مدنية بالكامل، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين المدنيين.
وأضاف التقرير أنه “وفقًا للقانون الدولي، فإن هذه الهجمات تمثل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يجرم الهجمات العشوائية التي تتعمد أو تتجاهل تأثيرها على السكان المدنيين”.
انتهاكات متعمدة وممنهجة
يشير التصعيد المستمر إلى سياسة ممنهجة من قبل الجيش السوداني لاستخدام القوة العسكرية ضد المدنيين، ما يطرح تساؤلات جدية حول مسؤولية القادة العسكريين والسياسيين عن هذه الجرائم، وفقًا للتقرير.
ودعا التقرير المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق الفوري في الانتهاكات التي اعتبرها “متعمدة وممنهجة”، ومحاسبة جميع المسؤولين عنها، بدءًا من القادة العسكريين الذين أمروا بتنفيذ الهجمات.
كما طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي شامل على السودان، خاصة على إقليم دارفور، لمنع استخدام الطيران الحربي في استهداف المدنيين، وضمان حماية المدنيين في المناطق التي تشهد نزاعًا مسلحًا.
ودعا تقرير المنظمة جميع الأطراف المتنازعة في السودان إلى وقف فوري للحرب والدخول في مفاوضات مباشرة لحل الأزمة السودانية بطرق سلمية، بما يضمن حقوق المدنيين ويحقق العدالة.
وأكدت المنظمة على ضرورة فتح ممرات إنسانية آمنة لتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من القصف والنزاع المسلح، وضمان توفير الرعاية الصحية اللازمة للجرحى والنازحين.
تعويض فشل العملية البرية
واعتبر المحلل الأمني عادل بشير أن تكثيف الهجمات الجوية بواسطة الجيش السوداني في الأيام الأخيرة هو أسلوب تعويضي لفشل العملية البرية التي أطلقها، قبل أكثر من أسبوع، ضد قوات الدعم السريع في مناطق متعددة.
وقال بشير لـ”إرم نيوز” إن العملية البرية للجيش من الواضح أنها فشلت في تحقيق أهدافها باستثناء التقدم المحدود الذي أحرزه في منطقة الحلفايا شمال الخرطوم بحري، مشيرًا إلى فشل الجيش في السيطرة على منطقة الجيلي والسوق العربي، اللتين كانتا ضمن الخطة.
وأضاف أن “لجوء الجيش السوداني مرة أخرى للاعتماد على سلاح الطيران وبهذه الطريقة العشوائية يدل على توقف تحركاته البرية، لأنه ظل يعتمد على الطلعات الجوية منذ بداية الحرب، وفي ذات الوقت يعمل على تهيئة قواته المشاة التي دفع بها الأسبوع الماضي في محاور مختلفة”.
وكان الجيش السوداني قد بدأ، يوم الخميس 26 سبتمبر/أيلول الماضي، عملية برية واسعة في العاصمة الخرطوم، حاول من خلالها عبور الجسور التي تربط مدينة أم درمان مع مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري، في محاولة للسيطرة على مواقع إستراتيجية تقع في يد قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.
وصدت قوات الدعم السريع هجوم الجيش السوداني على منطقة الجيلي شمال الخرطوم بحري، بعدما كبدته خسائر فادحة في الأرواح، من بينها قائد المتحرك برتبة عميد.
كما صدت قوات الدعم السريع هجومًا من محورين في الخرطوم كان يستهدف القصر الجمهوري، أحدهما قادم من أم درمان عبر جسر السلاح الطبي، والآخر من مقر القيادة العامة.
وفي إقليم دارفور، تلقت الميليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني، التي دُفعت إلى هناك بالتزامن مع عمليات الخرطوم، سلسلة هزائم متلاحقة من قبل قوات الدعم السريع، حيث شتتتها قبل أن تصل إلى وجهتها في الفاشر.
كذلك تلقت قوات الجيش السوداني والميليشيات المتحالفة معه هزائم فادحة في منطقة جبل موية بولاية سنار، بعد مهاجمتها قوات الدعم السريع التي تسيطر على المنطقة الإستراتيجية منذ يونيو/حزيران الماضي.
حياة الملايين في خطر
ودقت منظمة “أطباء بلا حدود”، التي تدير بعض المستشفيات والمراكز الصحية في الخرطوم، ناقوس الخطر جراء القصف الجوي لطيران الجيش السوداني، مشيرة إلى أن حياة الملايين باتت معرضة للخطر.
وقالت المنظمة في بيان تلقى “إرم نيوز” نسخة منه، إنه “خلال الأسبوع الماضي، وصل نحو 40 مصابًا بجراح ناجمة عن انفجارات القنابل إلى مستشفى بشائر التعليمي، الذي تديره “أطباء بلا حدود” في جنوب الخرطوم، بينما وقع، يوم الثلاثاء، قصف على بعد كيلومترين من المستشفى”.
وأضافت منظمة أطباء بلا حدود أنها “أُبلغت بأن مستشفى آخر في الخرطوم قد توقف عن العمل بعد تعرضه لغارة جوية يوم أمس، وعلى إثر ذلك، تستعد فرقنا لاستقبال المزيد من المصابين على الرغم من محدودية الإمدادات في ظل أشهر من العوائق المتعمدة”.