يكرّس التراجع الثابت في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الشرعية اليمنية عجز حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك عن معالجة تلك الأوضاع وينأى بها عن تحقيق أهدافها التي تشكّلت لأجلها والمتمثّلة أساسا في تحسين الأحوال المعيشية والارتقاء بمستوى الخدمات العمومية التي أصبحت مثار احتقان الشارع وغضبه.
وأصبح الإعلان المتكرر عن المزيد من التدهور في قيمة عملة الريال المحلية مثار قلق على الحالة المعيشية للسكان نظرا لما تتسبب فيه ظاهرة التضخم من ارتفاع مشطّ لأسعار مختلف السلع والمواد بما فيها الأساسية، حيث تدهورت المقدرة الشرائية للغالبية العظمى من السكان بمن فيهم طبقة الموظفين الذين غدت رواتبهم لا تكفي لسّد جزء بسيط من حاجات أسرهم.
وشهد الريال اليمني، الاثنين، تراجعا قياسيا جديدا أمام الدولار جراء شح النقد في البلاد التي تواجه أزمة اقتصادية حادة جراء تداعيات الصراع.
وقالت مصادر مصرفية لوكالة الأنباء الألمانية إنّ “الريال اليمني شهد تدهورا بشكل قياسي في المحافظات الواقعة تحت سلطة مجلس القيادة الرئاسي المدعوم دوليا، للمرة الأولى في تاريخ البلاد”
وأفادت المصادر بأن ” بيع الدولار الواحد تجاوز 2000 ريال يمني، بينما الريال السعودي يباع بنحو بأكثر من 525 ريالا”.
وأرجعت المصادر “هذا التراجع إلى الشح الكبير في النقد الأجنبي باليمن وكثرة الطلب عليه، إضافة إلى تراجع ثقة المواطنين بقيمة العملة المحلية”.
ولا تقف تبعات تدهور الوضع الاقتصادي والمالي عند حدود التأثير على الوضع الاجتماعي، ولكنّها تلقي بظلالها على الوضع السياسي بحدّ ذاته حيث تهدّد تماسك السلطة الشرعية بقيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والتي يشترك فيها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتبر مناطق الجنوب جزءا من مجال نفوذه الذي يريد أن يقيم عليه دولة الجنوب المستقلّة.
ولا يريد الانتقالي أن يرى الأوضاع الاجتماعية في الجنوب تسير نحو المزيد من التوتّر بما يهدد شعبيته باعتباره شريكا في الشرعية.
وسبق للمجلس أن وجّه انتقادات حادّة لحكومة بن مبارك بسبب تلك الأوضاع وبلغ بانتقاداته حدّ إنذار الشرعية اليمنية بإمكانية فك الشراكة معها واصفا تلك الشراكة على لسان بعض قياداته بأنّها “كانت أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الانتقالي ودفعته إلى أن يتحمل جزءا كبيرا من فاتورة الفساد والانتقاد والزج به في وحل نقص الخدمات وتدهور الاقتصاد”.
وتكمن ورطة رئيس الحكومة في ضيق خياراته لمعالجة الأوضاع ووقف التدهور بسبب شحّ الموارد المالية بعد أن خسرت الشرعية أهم مورد لها منذ توقّف تصدير النفط بسبب استهداف جماعة الحوثي لمَنْفذي التصدير، ميناء الضبّة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة.
وأصبح اعتماد الشرعية على المساعدات الخارجية، لاسيما الودائع السعودية في البنك المركزي اليمني، كبيرا دون أن يفي ذلك بالحاجات الكثيرة للسكان، خصوصا مع وجود جهازين حكومي وإداري متضخمين يستهلاك ميزانية تشغيلية كبيرة.
كما أن المساعدات تُستهلك في دفع الرواتب وتوريد المواد الأساسية بعيدا عن أيّ استثمار كفيل بخلق الثروة وتنمية الموارد، حيث لا يمثل اليمن بوضعه الحالي بيئة مناسبة للاستثمار والأعمال.
ويتساءل متابعون للشأن اليمني إن كان تواصل تدهور الاقتصاد وما يرتبط به من أحوال اجتماعية سيدفع برئيس السلطة إلى إجراء تغييرات حكومية تشمل إقالة بن مبارك وتعيين رئيس جديد للحكومة.
ونفى مصدر مطّلع من العاصمة المؤقتة عدن أن يكون هذا الخيار مطروحا إلى حدّ الآن بسبب حذر السلطة الشرعية من الإقدام على أيّ خطوة يمكن أن تزعزع الاستقرار الحكومي الهش.
ويتطلب تشكيل حكومة يمنية سلسلة طويلة من التوافقات على تقاسم المناصب بين الأطراف الشريكة في السلطة، وهو عامل تضعه القيادة السياسية في اعتبارها قبل أن تقدم على أيّ تغييرات حكومية.
وأثار رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الأحد، موضوع التقلب السعري لصرف الريال اليمني.
وقال في كلمة بثها الإعلام الرسمي إنّ الملايين من شعبنا يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية، بينما تواصل العملة الوطنية تقلبات سعرية مؤثرة بشدة على الحياة المعيشية”. وشدد على أن “ملف العملة سيظل أولوية قصوى لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية”
ويأتي استمرار تدهور الريال اليمني تزامنا مع مرور قرابة عامين على توقف تصدير النفط في مناطق سيطرة الحكومة، جراء هجمات نفذها الحوثيون على موانئ نفطية أعقبها منع التصدير حتى اليوم.
وسبق أن شكت الحكومة مرارا من أزمة مالية غير مسبوقة، ودعت المجتمع الدولي إلى إسنادها في مواجهة التداعيات الاقتصادية الصعبة.
ويعاني اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، جراء الحرب المستمرة منذ عشر سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية ومسلحي جماعة أنصارالله الحوثية.