منذ سيطرتها على صنعاء في العام 2015، تعمل ميليشيا الحوثي على بناء اقتصاد موازي يدر عليها مليارات الدولارات سنويًا، خارج نطاق الدولة ومؤسساتها، ولعل من أبرز القطاعات التي حولتها الميليشيا إلى أداة تمويل رئيسية لأنشطتها الإرهابية العابرة للحدود، قطاع التبغ الذي كان ذات يوم أحد أهم روافد الخزينة العامة في اليمن.
بحسب تصريح لوزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، فقد استحوذت ميليشيا الحوثي على أكثر من 5 مليارات دولار من قطاع التبغ منذ انقلابها على السلطة الشرعية، بما يعادل نحو نصف مليار دولار سنويًا، وهي أرقام تعكس حجم النهب المنظم الذي يمارسه الحوثيون تحت مظلة “الإدارة الذاتية”، والتي لا تخضع لأي رقابة أو مساءلة.
الإرياني وصف هذا القطاع بـ”أحد أعمدة اقتصاد الميليشيا الموازي”، مؤكدًا أنه أصبح أداة فعالة لتمويل الحرب الداخلية والهجمات العابرة للحدود، بما في ذلك استهداف خطوط الملاحة الدولية وأمن الطاقة.
من أبرز محطات العبث الحوثي بقطاع التبغ، يشير الإرياني إلى استحواذ الميليشيا على شركة “كمران” للصناعة والاستثمار، كبرى شركات التبغ الوطنية. فبعد عقد اجتماع غير قانوني للجمعية العمومية، فرضت قيادات حوثية نفسها في مجلس الإدارة، رغم عدم امتلاكهم لأي أسهم، ومنعت نقل منتجات الشركة إلى المحافظات المحررة، ما أدى إلى تقييد عملياتها وتوجيه أرباحها بالكامل إلى تمويل أنشطة الجماعة.
الأمر لم يتوقف هنا، بل أجبرت الميليشيا الشريك الاستراتيجي الدولي “BAT – الشركة البريطانية الأمريكية للتبغ” على الانسحاب من السوق اليمني، في مشهد يكشف عداء الميليشيا للبيئة الاستثمارية والمنافسة الحرة.
في الوقت الذي ضيّقت فيه الميليشيا الخناق على الشركات الوطنية والمستوردة القانونية، أنشأت شركات استيراد موازية تابعة لها أو موالية لقياداتها، أبرزها: شركة سبأ العالمية للتبغ المحدودة، والمسجلة باسم علي أحمد دغسان، وشركة التاج للتبغ وسجائر المكلا، والمسجلة باسم صالح أحمد دغسان، وتديرها مجموعة القيادي الحوثي دغسان محمد دغسان.
هذه الشركات تنتج أصنافًا مزورة في الخارج – أبرزها سجائر “شملان” – وتقوم بتهريبها إلى داخل اليمن، بل وإلى عدد من الدول العربية، بما يجعل منها شبكة تهريب إقليمي مرتبطة بمنظومة فساد وتسليح.
الميليشيا فرضت أيضًا ضرائب تعسفية تفوق 200% على بعض أصناف التبغ، واستحدثت منافذ جمركية داخلية تُفرض فيها إتاوات غير قانونية حتى على المنتجات المحلية. هذه الإجراءات ساهمت في رفع أسعار السجائر للمستهلكين من جهة، واحتكار السوق من جهة أخرى، ما أتاح للميليشيا التحكم الكامل في التدفقات النقدية القادمة من هذا القطاع.