في 15 إبريل 2015 بدأت قوات النخبة الإماراتية عملية عسكرية جريئة ومحسوبة بدقة؛ لتحرير مدينة عدن الواقعة على بُعد 2485 كيلومترًا من دولة الإمارات؛ ونجحت هذه العملية العسكرية نجاحًا باهرًا؛ ليبقى 15 إبريل من كل عام يومًا خالدًا في ذاكرة أهل دولة الإمارات والجنوب العربي.
وكانت عدن، بمينائها العريق، وموقعها الجغرافي الفريد، على وشك أن تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي كما وقعَتْ قبلَها العاصمة اليمنية صنعاء، ومدن يمنية عديدة. وكان سقوط عدن تحت سيطرة الحوثي في حكم المؤكَّد، ومسألة وقت فقط؛ إذ كانت دباباته على مشارف هذه المدينة الساحلية، تقصف مساكنها وأحياءَها ومطارها وميناءَها بروح ثأرية وانتقامية واضحة؛ وتستعد لاقتحامها والتنكيل بسكانها؛ وكان ذلك في 4 إبريل 2015.
وسيشهد التاريخ أن دولة الإمارات -بالتنسيق اللوجستي التام مع دول التحالف العربي بقيادة السعودية، وبالتعاون الوثيق مع قوات الجنوب العربي- منعت سقوط مدينة عدن بيد قوات الحوثي، وحافظت على استقلال الجنوب العربي كلِّه، وغيَّرت مسار الحرب في اليمن جذريًّا وجوهريًّا؛ ففي غضون أسبوع جهَّزت دولة الإمارات نخبة من قواتها البحرية والبرية والجوية، ودفعت بضباطها وجنودها إلى تأدية مهمة عسكرية بطولية حالت دون وقوع كارثة سقوط عدن، واستطاعت طرد الحوثي من الجنوب العربي ومعظم ساحل الغرب اليمني؛ وتمَّ ذلك في 15 إبريل 2015.
وفي ذلك اليوم التاريخي حُرِّر المطار والميناء ومدينة عدن كلها في عملية عسكرية نوعيَّة تطرَّق إليها بتفصيل دقيق كتاب “25 يومًا لتحرير عدن…”، لكاتبه مايكل نايتس، الباحث في معهد سياسات الشرق الأوسط بواشنطن. ولم تتوقف قوات الإمارات المشاركة في تحرير اليمن بمدينة عدن، بل أخذ ضباطها وجنودها على عاتقهم تحرير خمس مدن يمنية بعيدًا عن الاحتلال الحوثي. ومع استمرار العمليات الحربية كانت قوات الإمارات على مشارف مدينة الحديدة، وكان بإمكانها استعادة مينائها؛ كما حرَّرت ميناء عدن من قبل.
وشاركت دولة الإمارات بقوة في عملية عاصفة الحزم، ونسَّقت عملياتها مع دول التحالف العربي الداعمة للشرعية في اليمن؛ ولكنْ لم يكن لتحرير عدن أن يتمَّ بسرعة ودقة من دون التعاون والتنسيق التامَّين مع قوات المقاومة الجنوبية، التي أثبتت إخلاصها، وحرصها الوطني، وجدارتها العسكرية في مواجهة جماعة الحوثي.
وقبل انطلاق عملية تحرير عدن، في 15 إبريل 2015، قرَّرت دولة الإمارات إبلاغ الشريك الأمريكي مسبقًا، وإطلاع إدارة باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق، من باب العلم والاطِّلاع ليس إلا. وهنا كانت المفاجأة غير المتوقعة، بل الطامة الكبرى؛ إذ جاء رد الإدارة الأمريكية متحفظًا ومعترضًا، وطلب عدم السير في العملية التي كانت في منتصف الطريق إلى عدن؛ ولكنْ حدَث ما لم يكن في حساب واشنطن، فقد قررت دولة الإمارات السير في العملية العسكرية من دون توقُّف، بموافقة واشنطن، أو عدم موافقتها.
وكان ذلك أحد القرارات الإماراتية السياديَّة الجريئة، التي غلَّبت المصلحة الوطنية والاعتبارات القومية، ورغبة التحالف العربي، على مراعاة قرار الولايات المتحدة الأمريكية الذي لم يكن متوقعًا، وطلبها عدم السير في عملية تحرير عدن؛ ولذلك كان 15 إبريل 2015 يومًا سياسيًّا وعسكريًّا فاصلًا في تاريخَي الإمارات السياسي والعسكري، وسيبقى خالدًا في سجلها الذهبي.
هذه واحدة فقط من حقائق ووقائع ذلك اليوم التاريخي، الذي يجب أن يُعطى حقه؛ لأنه يجسد شجاعة الجيش الإماراتي، وجرأة قيادة دولة الإمارات؛ بقدر ما شكَّل لحظة فارقة بين إمارات ما قبل وإمارات ما بعد 15 إبريل 2015، عند اتخاذ القرارات الوطنية الحاسمة والمصيرية، وفي التفكير الاستراتيجي الإماراتي المستقبلي.
وبجانب هذه الواقعة التاريخية المهمَّة هناك مئات الحقائق والوقائع والتفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تستحق التدوين عن ذلك اليوم التأسيسي، كما دوَّن بعضها مايكل نايتس في كتابه الذي يحمل العنوان الشائق: “25 يومًا لتحرير عدن: القصة غير المرويَّة لقوات نخبة عربية في الحرب”.
هذا الكتاب المرجعي، الذي صدر باللغتين الإنجليزية والعربية، ملهِم في تفاصيله وحواراته، وفيما يحمله من شهادات جنود قوات دولة الإمارات، وضباطها، الذين نفَّذوا عملية تحرير مدينة عدن الاستراتيجية، وأسهموا باقتدار عسكري فَذٍّ، وبجدارة، في تحرير 80 في المئة من الأراضي اليمنية؛ وكانت التضحية بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية نموذجًا ساطعًا في حب الوطن، والإخلاص والوفاء للقيادة، وتأدية أدوار إقليمية لم تكن تخطر في البال حتى وقت قريب.
ويُعَدُّ كتاب “25 يومًا لتحرير عدن…” من أهم الكتب التي تناولت دولة الإمارات، ليس بصفتها نموذجًا تنمويًّا ومعرفيًّا صاعدًا، بل نموذجًا لبناء قدرات عسكرية إماراتية وطنية داعمة لبروز الدولة قوةً إقليمية صاعدة. وما يميز هذا الكتاب أنه كتاب وثائق ميداني يحتوي على معلومات وحوارات وشهادات ويوميات وقصص حية كُتبت بلغة سردية آسرة وسلِسة.
ضباط وجنود قوات دولة الإمارات هم أبطال هذا الكتاب الجدير بالقراءة؛ لأنه يثير السؤال: ماذا لو تمكَّن الحوثي من السيطرة على عدن؟ وماذا لو كانت عدن اليوم محتلة من هذه الجماعة التي زجَّت باليمن في متاهات الانقسام والبؤس؟ وكيف يمكن تخيل احتلال الحوثي الجنوب العربي كله؟ وماذا لو لم ترسل دولة الإمارات نخبة قواتها لتحرير عدن؟ وماذا لو استجابت دولة الإمارات لطلب واشنطن غير المنطقي عدمَ السير في عملية تحرير عدن؟
وقد كان من الضروري منع وقوع هذا السيناريو الكارثي؛ فسقوط عدن يهدِّد أمن دول الخليج العربية، كما يهدد سلامة الملاحة في بحر العرب، ومضيق باب المندب الذي يمر عبره نحو 20 في المئة من التجارة وصادرات النفط العالمية.
وقد منعت دولة الإمارات وقوع هذا السيناريو، الذي لا يمكن تخيُّل تداعياته الكارثية؛ ووقفت بكل ثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي مع دول التحالف العربي، ودعمت قوات الجنوب العربي الذي يسعى إلى الحصول على حقه المشروع في كيانه المستقل.
وسيسجل التاريخ يوم 15 إبريل 2015 بأحرف من ذهب، وسيظل هذا اليوم راسخًا في الذاكرة الوطنية لأجيال مقبلة.