تثير تحركات المجلس الانتقالي في سبيل توحيد الصف الجنوبي لتحقيق هدف استعادة الدولة الجنوبية، قلق بعض القوى الشمالية في اليمن ولاسيما حزب التجمع الوطني للإصلاح الذي يشكل الواجهة السياسية لجماعة الإخوان.
وتقول أوساط سياسية جنوبية إن النداءات التي يوجهها الحزب الإخواني بشأن أهمية الوحدة وضرورة الحفاظ عليها نابعة من موقف ضعف، بعد أن نجحت جماعة الحوثي في وضع يدها على كل الشمال تقريبا.
وتلفت الأوساط إلى أن جماعة الإخوان تدرك أنه مع بسط الجماعة الموالية لإيران نفوذها على الشمال باستثناء جزء من محافظة مأرب وانطلاق مسار استعادة دولة الجنوب، فإنه عمليا لم يعد لها أي ثقل، وهذا ما يدفعها إلى الترويج لخطاب وحدة اليمن، مع أنه كان لها الدور الرئيسي في فشل هذا المشروع في مهده.
وتشير الأوساط نفسها إلى الدور الذي لعبه الإخوان في اليمن في ضرب مشروع الوحدة سواء كان قبل الإعلان عنه في العام 1990، حيث كانوا اعتبروا تلك الخطوة مستعجلة وسعوا لإجهاضها، وأيضا في حرب صيف 1994، وما تلاها، حينما استباحوا الجنوب ونكّلوا بأهله.
ومع تفجر الصراع الحالي في العام 2014 بسيطرة جماعة الحوثي على الشمال اليمني، وفرض واقع جديد أدى إلى التقاء المكونات السياسية للجنوب مع الشمال، لم يطرأ تغيير كبير على النظرة الإخوانية المعادية للجنوبيين، فسعوا لاحتكار سلطة القرار مستغلين ضعف الرئيس اليمني السابق عبدربّه منصور هادي.
وفي خطوة استباقية من قبلهم نشروا تشكيلات عسكرية في عدد من المحافظات الجنوبية مثل حضرموت وشبوة وغيرها، مع أن تلك المحافظات كانت بعيدة نسبيا على الخطر الحوثي الذي تركز أساسا على الشمال.
وتوضح الأوساط أن إصرار الحوثيين على بقاء تشكيلات عسكرية وازنة لهم في حضرموت على سبيل المثال، مع أنه من المفروض أن تكون تلك التشكيلات في الجبهة الأمامية للتصدي للخطر الحوثي في الشمال، كان الغرض منه إجهاض حلم الجنوبيين في استعادة دولتهم، لكنهم لن يحققوا ذلك في ظل الالتفاف الجنوبي الحالي، وإصرارهم على استعادة دولتهم. ودعا تحالف سياسي في اليمن يقوده حزب الإصلاح الأحد إلى حوار وطني شامل لإعادة صياغة شكل دولة الوحدة ونظامها السياسي.
وجاءت تلك الدعوة في بيان أصدره التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية عشية الذكرى 33 لتحقيق الوحدة بين شطري اليمن الموافقة لـ22 مايو من كل عام، بحسب موقع “الصحوة نت” الناطق باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح الأحد.
ويضم التحالف نحو 13 مكونا سياسيا أبرزها المؤتمر الشعبي العام (ليبرالي)، والتجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني (يساري)، والتنظيم الوحدوي الناصري (قومي). وقال التحالف إن “مسيرة الوحدة رافقتها أخطاء جسام أدت إلى تصدع الصف الوطني واختلال الشراكة السياسية واضطراب دولاب الحكم وصولا إلى سقوط الدولة من خلال الانقلاب الحوثي”.
وفي سبتمبر 2014 سيطرت جماعة الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء (شمال) ثم محافظات أخرى، وتدخل تحالف عسكري عربي بقيادة الجارة السعودية في مارس من العام التالي لدعم القوات الموالية للحكومة الشرعية ضمن حرب متواصلة منذ نحو 9 سنوات وتشهد تهدئة منذ فترة.
وأوضح التحالف أن “معالجة تلك الأخطاء لن تكون إلا بفتح حوار وطني شامل يؤسس لمصالحة وطنية وعدالة انتقالية شفافة تنتهي بإعادة صياغة شكل دولة الوحدة ونظامها السياسي، بما يحفظ الهوية ويحقق الشراكة الوطنية”.
ونافيا أن تكون الوحدة هي سبب ما حل باليمن وشعبه من أزمات، قال التحالف إن “انقلاب جماعة الحوثي كان سببا رئيسيا في ما وصل إليه حال البلاد كونه فتح الباب على مصراعيه لظهور بعض النزعات السلالية والطائفية والمناطقية المهددة لوحدة الوطن وكيان الدولة ونظامها الجمهوري ونسيجها الاجتماعي الواحد”.
ودخل جنوب اليمن وشماله في 22 مايو 1990 في تجربة وحدة كانت منذ البداية مثار شكوك في صمودها، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم حينها وشكاوى قوى جنوبية من “تهميش وإقصاء” سياسي واقتصادي أدت إلى عودة الدعوات إلى إنهاء هذه التجربة. وقبل أيام، وقَّع ممثلو مكونات سياسية جنوبية يقودهم المجلس الانتقالي الذي تشكل في العام 2017 “ميثاقا وطنيا” يمهد لعودة دولة الجنوب.
ورسم هذا الميثاق معالم الدولة الجنوبية المقبلة التي ستكون قائمة على نظام فدرالي أساسه المدنيّة والديمقراطية والسيادة الوطنية غير المنقوصة.
وعلى أن يقوم بناء الدولة الجنوبية المنشودة على “الإرادة الشعبية والمواطنة المتساوية واحترام القانون وضمان حق الأقاليم في الإدارة المحلية كاملة الصلاحيات” بدون أي هيمنة مركزية بشرط الحفاظ “على الوحدة الوطنية في نطاق الدولة الاتحادية ودستورها”.
وأكد رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي الأحد على أنهم ماضون في مسار استعادة الدولة، مشددا في كلمة له بمناسبة افتتاح الدورة السادسة للجمعية الوطنية المنعقدة في مدينة المكلا عاصمة حضرموت جنوب شرق اليمن على أن “المجلس حريص على تطبيق وتنفيذ نتائج اللقاء التشاوري، وفي مقدمتها أسس ومبادئ الميثاق الوطني الذي كان ثمرةً من ثمار الحوار الجنوبي المستمر، كمنهج ومبدأ، انطلاقًا من إيماننا المطلق بأن الجنوب لكل أبنائه ولن يُبنى إلا بكل أبنائه”.
وقال “إذ نؤكد على دعمنا الكامل لكافة المساعي الضامنة لإحلال السلام العادل والمستدام في بلادنا والمنطقة، فإننا نذكِّر في الوقت ذاته بأنَّ تلك الجهود ستظل مجرد محاولات قاصرة، ما لم تضع أولوية لمعالجة القضايا المحورية، وفي طليعة ذلك معالجة قضية شعب الجنوب، بما يجسد جذورها ويلبي تطلعات شعبنا وحقه في استعادة دولته على كامل حدودها المعترف بها دوليًا حتى 21 مايو 1990”.
وأضاف الزبيدي الذي لقيت زيارته إلى حضرموت احتفاء شعبيا لافتا “نؤكد بأن شعبنا هو سيد أرضه ومالك قراره، ولن يُسمح أبدًا بتمرير أي تسويات منقوصة لا تلبي تطلعاته ولا تعبِّر عن إرادته، وهذا دورنا الذي لن نتوانى عن القيام به في كل الظروف”.
ويشهد اليمن تحركات إقليمية ودولية حثيثة لإنهاء الصراع المستمر، مستفيدة في ذلك من التحول الطارئ على صعيد العلاقة بين السعودية وإيران، لكن متابعين يرون أن هذه التحركات لا يمكن أن تحقق أهدافها ما لم يجر حوار صريح ويتطرق إلى جميع الملفات الإشكالية وفي مقدمتها القضية الجنوبية.