بعيداً عن ضجيج الخطابات وصخب الشعارات التي يصدح بها النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة أو ما يعرف بـ”محور المقاومة” تحت لافتة مساندة القضية الفلسطينية، إلا أن حقائق الأرض تفضح حجم الخدمات التي يقدمها هذا المحور تحت هذه اللافتة لصالح إسرائيل.
فتحت هذه اللافتة وما يمارسه محور إيران، يتكشف مشهد الحرب الخفية التي يواجهها كل من: مصر والأردن من قبل هذا المحور، وهما القطران العربيان اللذان يقفان في قلب مخططات إسرائيل ومن خلفها الغرب لتهجير الفلسطينيين إليهما وتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل.
حرب محور إيران ضد مصر تتجسد في الهجمات المستمرة التي تشنها ذراع طهران في اليمن المتمثل بجماعة الحوثي ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وامتدت إلى خليج عدن منذ نحو 3 أشهر.
هذه الهجمات تجعل من مصر المتضرر الأول منها، جراء قرار أكبر شركات الشحن البحري تجنب المرور من البحر الأحمر وتحويل خط سير سفنها نحو رأس الرجاء الصالح، وهو ما يمثل ضربة قوية لنشاط قناة السويس.
وفي أحدث تصريح يكشف مدى تأثير قناة السويس بهجمات الحوثي، قال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الجمعة، بأن حركة الشحن التي تمر عبر قناة السويس انخفضت بنحو 45% في الشهرين الماضيين بعد تحويل شركات شحن مسار السفن نتيجة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وتمثل قناة السويس التي حققت العام الماضي 2023م إيرادات بنحو 9.4 مليار دولار، واحدة من أهم مصادر النقد الأجنبي بالنسبة لمصر ولاقتصادها الذي لا يزال يعاني تداعيات أزمة كورونا، ويتجلى ذلك من خلال التراجع الكبير الذي يشهده الجنيه المصري.
وتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز الـ30 جنيهاً كسعر صرف رسمي، في حين أن سعره في السوق الموازية تجاوز الـ60، وهو ما يؤشر إلى حجم الأثر الذي سيحدثه تراجع إيرادات قناة السويس التي تعد من أهم مصادر النقد الأجنبي.
تداعيات اقتصادية وآثار صعبة تهدد مصر جراء هجمات الحوثي تضاف إلى حجم الضغوط الغربية التي تتعرض لها سراً لقبول خطة إسرائيل بتهجير فلسطيني غزة إلى سيناء، وأحيانا تتحول هذه الضغوط إلى إغراءات كبيرة إلى القاهرة بتقديم عروض مالية ضخمة تشمل إعفاءها من الديون الخارجية التي تصل إلى 165 مليار دولار.
ما سبق يكشف حجم وصعوبة الموقف والضغوط التي تعاني منها القاهرة في ملف غزة وفلسطين، وما يجعل من هجمات الحوثيين ضد الملاحة الدولية بالبحر الأحمر خدمة مجانية لإسرائيل والغرب ضد مصر.
وذات المشهد يتكرر –وإن بتفاصيل أخرى– مع الأردن، البلد العربي الآخر الذي يقف في قلب مخططات إسرائيل بتهجير فلسطيني الضفة الغربية إليه، وهو أمر يتنبه له النظام الأردني جيداً وحذر منه منذ بداية الأحداث في السابع من أكتوبر الماضي.
حيث يتعرض الأردن لحرب خفية وعلى أكثر من جبهة من قبل محور إيران الذي يطوق أذرع هذا المحور في سوريا والعراق الأردن ويسعى بشكل واضح إلى إسقاطه في مشروع الفوضى الإيرانية.
ولعل الحرب المستعرة الذي يخوضها الجيش الأردني مع عصابات تهريب المخدرات على حدوده مع سوريا منذ سنوات أبرز مثال على ذلك، ووصلت حد المواجهات العنيفة مع عصابات باتت تمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة مدعومة بطيران مُسير، وتقف خلفها إيران التي تدير إنتاج وتهريب مخدر الكبتاجون.
أما المشهد على الحدود العراقية، فلا يختلف كثيراً، حيث أقامت مجاميع من عناصر المليشيات العراقية الموالية لإيران اعتصاماً مفتوحاً هناك، تحت ذريعة المطالبة بفتح خط للجهاد إلى فلسطين، وهي ذريعة واهية تفضحها حقيقة حدود إسرائيل مع كل من: سوريا ولبنان الخاضعين لسيطرة ونفوذ مليشيات إيران.
اللافت في الأمر، أن الاستهداف الواضح من قبل محور إيران للأردن اشتركت فيه حركة حماس والتي تعد أحد عناصر هذا المحور رغم المعركة التي تخوضها ضد الجيش الإسرائيلي في غزة، وتجلى ذلك بالدعوة الغربية التي وجهها الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري للحركة أبو عبيدة في أحد خطاباته المرئية.
حيث وجه الرجل في خطاب له أواخر نوفمبر الماضي، دعوة للأردنيين “إلى تصعيد كل أشكال العمل الجماهيري المقاوم”، في دعوة غريبة تثير التساؤل عن سبب تخصيص الأردن بهذا التحريض دونا عن باقي الدول العربية.
والحقيقة أن الأردن يظل هدفا مهماً بالنسبة للنظام الإيراني لإسقاطه ضمن مشروعه بالمنطقة العربية الذي كان للأردن السبق في التحذير منه عام 2004م بعد عام من سقوط العراق بيد الاحتلال الأمريكي وتسليمه إلى إيران، ليحذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من خطورة مشروع إيران على العرب عبر العراق وسوريا ولبنان وعبر ما أسماه حينها بـ”الهلال الشيعي”.