غطت حادثة الاعتداء المأساوية على حفل “عيدنا تعز” عصر السبت، على مظاهر الاحتفاء لهذا العام بيوم الأغنية اليمنية من قبل الناشطين اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي في الأول من شهر يوليو.
وعام 2021م تم إقرار الأول من شهر يوليو “يوم الأغنية اليمنية” من قبل الناشطين اليمنيين كردة فعل غير مباشرة على تصاعد القمع الذي تمارسه جماعة الحوثي ضد كل أشكال الفن والحياة بمناطق سيطرتها، حيث شهد ذلك العام إجراءات قمعية من قبل الجماعة أثارت السخط الشعبي.
إجراءات الجماعة استهدفت التضييق على حفلات الأعراس اليمنية وإحيائها بالغناء من قبل الفنانين بتحديد ساعات محددة لذلك وصاحب ذلك تعرض بعض الفنانين للاعتقال والاحتجاز، وجاء ذلك بهدف إجبار اليمنيين على إحياء أعراسهم بما يعرف بـ”الزوامل” الحوثية المحرضة على العنف والحرب والقتال، ليأتي ابتكار يوم الاغنية اليمنية كرد على ذلك.
وهو ما يؤكد عليه وزير الإعلام والثقافة معمر الإرياني في تصريح له السبت، بأن “إحياء يوم الأغنية اليمنية هي دعوة للحياة في مواجهة دعوات الحرب والموت التي تشيعها مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، ومحاولاتها منع مظاهر الحياة في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، باستهدافها الفن ورموزه ومنع الغناء في الأعراس والمناسبات وتضييق الخناق على الشعراء والأدباء”.
ورغم صحة ما يقوله الوزير، إلا أن الأحداث خلال الأشهر الأخيرة تشير إلى أن جماعة الحوثي لم تعد العدو الوحيد للغناء وللفن بشكل عام في اليمن، وأن الأمر لم يعد محصوراً في مناطق سيطرتها، بل باتت تعاني منه بعض المدن المحررة بوجود جماعات وشخصيات تتطابق مع جماعة الحوثي بالنظرة العدائية والمتطرفة تجاه الغناء والفن، وتعد حادثة الاعتداء على حفل “عيدنا تعز” بنسخته السادسة أحدث مثال على ذلك.
فبعيداً عن ملابسات ما جرى في الحفل والأسباب الحقيقية وراء إطلاق مسلحين بزي عسكري النار على الحضور، إلا أن ذلك لا يمكن فصله عن حملة التحريض التي يواجهها حفل “عيدنا تعز” في كل عام يتم إحياؤه بالمدينة، من قبل قيادات إخوانية متطرفة ترى فيه “منكراً ونشراً للرذيلة والفسوق والاختلاط”.
ويشير إلى ذلك مدير عام مكتب الثقافة بتعز عبدالخالق سيف في تعليقه الذي نشره على صحفته في “الفيس بوك”، وأكد فيه نجاح الحفل والاحتفاء بالفنان محمد محسن عطروش وتكريمه، مضيفاً بأن “افتعال ما حدث في آخر النجاح والمهرجان كان بسبب التحريض والتعبئة الظلامية”.
التحريض الذي تعرض له الحفل العيدي في تعز يعيد إلى الأذهان ذات التحريض الذي لاقاه حفل الفنانة ماريا قحطان في مدينة مأرب في فبراير الماضي، من قبل قيادات إخوانية متطرفة، وانتهى الأمر بقيام قوات الأمن بإغلاق بوابة الفندق الذي كان مقرراً إقامة الحفل بداخله قبل ساعة فقط من بدء الحفل رغم حصول منظميه على موافقة رسمية من السلطات المحلية.
وفي مشهد مناقض لحالة التضييق شمالاً، ظهرت ذات الفنانة قبل نحو أسبوعين وهي تحيي حفل افتتاح أحد المولات التجارية في العاصمة عدن بحضور لافت للمئات من أبناء المدينة، في حدث عكس الواقع الذي تعيشه مناطق الجنوب المحررة كبيئة جاذبة للحياة ومشاريعها من فن وثقافة وتعايش.
واقع يعد نتاجا طبيعيا للمعركة الشرسة التي خاضها ويخوضها الجنوب بقواه العسكرية والمجتمعية والسياسية ضد جماعات التطرف الديني والمذهبي ومشاريع الموت وحقق فيها انتصارات عريضة منذ عام 2015م، تشكل درساً ونموذجاً ملهماً تحتاجه اليوم وبشدة القوى الحية والوطنية شمالاً لإنقاذ أبنائه.