في أحدث مظاهر المغازلة التي لجأت إليها المليشيا الإمامية في صنعاء مؤخراً للتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين، يسعى مسؤولان مصرفيان تابعان لجماعة الحوثيين، ذراع إيران في اليمن، منذ يونيو الماضي، إلى نسج علاقات مع بنوك تركية.
وذكرت بعض المواقع الإعلامية التابعة للمليشيا أن رئيس مجلس إدارة بنك اليمن والخليج الدكتور مروان محمد خالد، ونائب المدير العام للبنك المهندس توفيق حنيش، قاما “بزيارة لعدد من البنوك في الجمهورية التركية لتعزيز مجالات وجوانب التعاون المشتركة وعقد شراكات استراتيجية وتبادل الخبرات المصرفية بينها وبين البنك، وذلك في إطار بناء شبكة العلاقات الخارجية للبنك مع عدد من البنوك العربية والإقليمية”.
ومن البنوك التي يسعى المسؤولان المصرفيان التابعان لمليشيا الحوثي لـعقد شراكات استراتيجية معها، “بنك أكتيف” الذي يوصف بكونه أكبر بنك استثماري خاص في تركيا، وثارت حوله في العام 2020 شبهات عن تورطه في عمليات غسيل أموال وتمويل الإرهاب وتسهيل المعاملات البنكية لشركات تستثمر في المواقع الإباحية.
وفي سبتمبر 2020 ذكر موقع “دويتشه فيله” الألماني، أن ملفات “فينسن”، وهي عدد من الوثائق السرية المسربة من وزارة الخزانة الأميركية، تلقي الضوء على الدور المركزي لبنك أكتيف التركي في تسهيل المعاملات المالية المشبوهة. وأشار الموقع، حينها، نقلا عن التقرير إلى أن بنك أكتيف، المملوك لأحمد جاليك، الحليف التجاري المقرب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “مشتبه بالتورّط في قيامه بغسيل الأموال على نطاق واسع لشبكة عملاء تشمل مزود الخدمة المالية الألماني المليئ بالفضائح “واير كارد” وشخصيات مشبوهة من عالم الإباحية”.
وذكر التقرير أنّ وزير الطاقة التركي بيرات البيرق، صهر أردوغان، كان الرئيس التنفيذي للمجموعة الأم لأكتيف بنك، جاليك القابضة، في الوقت الذي تم فيه إجراء العديد من “المعاملات المشبوهة”.
وتم تسريب ملفات “فينسن” آنذاك إلى “بوز فيد نيوز” وتمت مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. والملفات المسرّبة هي من شبكة إنفاذ الجرائم المالية “فينسن”، وهي مكتب تابع لوزارة الخزانة الأميركية يقوم بجمع وتحليل المعلومات حول المعاملات المالية من أجل مكافحة غسيل الأموال المحلي والدولي وتمويل الإرهاب والجرائم المالية الأخرى.
وأفاد التقرير بأن “أكتيف بنك” يساعد بنك “واير كارد” الألماني الذي “أجرى صفقة جيدة مع عملاء من الصناعات الإباحية والمقامرة”، بما في ذلك (مايند غيك)، أصحاب مواقع “بورن هوب” و”يوبورن”، حسب ما نقله موقع دويتشه فيله. وأضاف التقرير إنّ البنك الألماني “أجرى ما يصل إلى 12” صفقة مشبوهة “تزيد قيمتها عن 110 آلاف دولار (93 ألف يورو) من خلال حسابه في بنك أكتيف بين مايو ويوليو 2014”. وسلط الأضواء أيضا على عمليات “أكتيف بنك” بأفغانستان، مع 561 “تحويلا مشبوها” بقيمة 35.3 مليون دولار من حسابات أفغانية.
وقال الموقع الألماني، إن تلك التحويلات تشير إلى غسيل أموال لأنه لا توجد معلومات عن الشركات، مما يثير تساؤلات حول إمكانية كونها شركات وهمية. كما ارتبط أكتيف بنك بتعاملات مع بنك كابول الجديد، وهو مؤسسة متورّطة في قلب فضيحة فساد بمليارات الدولارات في عام 2010، وشركة وطن للنفط والغاز، التي اتهمتها الحكومة الأميركية بأن لها صلات بحركة طالبان الإسلامية المتطرفة. وذكر “دويتشه فيله” أن تحقيق الحكومة الأميركية بشأن جماعة وطن كشف أنها دفعت لطالبان عدة ملايين من الدولارات مقابل حماية قوافلها.
وأضاف التقرير إن تاجر الذهب الإيراني التركي رضا ضراب ذكر في شهادته عام 2007 أنه كان يحول أموالاً نقدية إلى البنك المركزي الإيراني بعد فتح حساب لدى بنك أكتيف بمساعدة وزير أوروبا آنذاك إجمين باغيش، بدءًا من 5 إلى 10 ملايين يورو يوميًا لتجنب العقوبات الأميركية على إيران. وقال ضراب إن بنك أكتيف قطعه عن دائرة الحركة في أواخر عام 2011، ثم لجأ بعد ذلك إلى بنك خلق في عام 2012.
وذكر موقع 26 سبتمبر نت -النسخة التي تسيطر عليها المليشيا الإمامية- أن رئيس مجلس إدارة بنك اليمن والخليج التابع لها، ناقش مع ممثلي بنك أكتيف “المتطلبات الفنية لتطوير نظام الحوالات بين البنكين والبدء بالإجراءات اللازمة لتوفير المتطلبات الخاصة بفتح الحسابات البنكية بين الجانبين”.
ومن البنوك التي زارها المصرفيان الحوثيان في تركيا، بنك (جولدن جلوبال) الذي يرد في تعريفه المنشور في موقعه الإلكتروني أنه مركز مالي دولي “بطريقة تكمل الهوية التجارية والمالية لإسطنبول، ويهدف لتعزيز حجم التجارة الخارجية الوطنية من خلال التركيز على الخدمات المصرفية لعمليات التجارة الخارجية في الأسواق المستهدفة، وخاصة في الدول المجاورة”. وذكر الإعلام الحوثي أن بنك جولدن جلوبال طلب أولاً إرسال فريق متخصص من طرفه إلى اليمن لدراسة الفرص الاستثمارية المتاحة.
المصرفيان الحوثيان اللذان سافرا إلى تركيا لحضور “المؤتمر الاقتصادي العربي المنعقد في تركيا خلال شهر يونيو المنصرم”، زارا أيضاً بنك “زراعات” وهو بنك مملوك للدولة التركية تأسس في العام 1863، أي قبل عشر سنوات من الاحتلال التركي الثاني لشمال اليمن.
وتأمل المليشيا أن تنسج علاقات تعاون مع هذا البنك لتمويل مشاريع استثمارية تقول إنها سوف “تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في اليمن، بالإضافة إلى عدد من الخدمات المصرفية التي تخدم رجال الأعمال والمستثمرين اليمنيين والأتراك، والمغتربين والطلاب الدارسين في تركيا”.
وفي التعريف الخاص ببنك زراعات على موقعه الإلكتروني، فقد بدأ “كصندوق تعاوني” بين عدد من المزارعين الأتراك في العام 1863 لمواجهة الصعوبات التي كانوا يواجهونها أثناء انشغال الإمبراطورية العثمانية بتوسيع نفوذها خارج أراضيها، ثم ما لبثت الدولة أن استحوذت عليه في العام 1916 عندما كانت الإمبراطورية تترنح خلال الحرب العالمية الأولى قبل سقوطها النهائي بعد ذلك بسنتين.
وبحسب موقع 26 سبتمبر المسيطر عليه من قبل المليشيا، تأتي هذه الجولة للمسؤولين المصرفيين إلى تركيا “في إطار تحقيق رؤية البنك (اليمن والخليج) الجديدة الهادفة إلى مد جسور التواصل مع الجميع بهدف الاستثمار في مجالات تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز ثقة القطاع المصرفي اليمني بالسوق، وبناء الشراكة الفاعلة والقوية والمتينة مع المستثمرين الخارجيين الراغبين بالاستثمار في اليمن وتكوين قاعدة مشتركة تتضافر فيها الجهود وتتشارك فيها الرؤى من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص استثمارية تعمل على تحسين المستوى المعيشي للمواطن اليمني والمساهمة في الحد من الفقر والبطالة، والاسهام في إحداث نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة وتحقيق الازدهار لكل اليمنيين”.
وتتناقض هذه الرؤية المزعومة مع السياسة الاقتصادية العدائية للمليشيا الإمامية تجاه اليمنيين في المناطق المحررة، حيث ما زالت تمنع تصدير النفط تحت تهديد استهداف المنشآت النفطية بالصواريخ البالستية والمسيّرات، كما تستمر في حصار مدينة تعز منذ ثماني سنوات وتتلاعب بالقطاع المصرفي في عموم اليمن بحكم سيطرتها على صنعاء. وبالإضافة إلى ذلك، ما زالت المليشيا تنتهج سياسة جبايات جائرة تستنزف موارد قوة العمل الوطنية في مناطق سيطرتها بصورة جعلت من تفشي الجوع والفقر والأوبئة سمات رئيسية لنظام حكمها السلالي.