إطلاق “دفعة كبيرة” من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل “نصرة للمظلومين في فلسطين”. هكذا قدّم الناطق العسكري باسم مليشيا الحوثي، يحيى سريع، انخراط المليشيا في جولة الحرب الفلسطينية ضد إسرائيل التي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي على إثر هجوم حركة حماس المباغت على المواقع الإسرائيلية.
قال سريع، الثلاثاء، في أول مؤتمر صحفي له منذ اندلاع هذه الحرب، إن هذا هو الهجوم الثالث الذي تشنه جماعته على إسرائيل، وفي اليوم التالي أشارت وكالة سبأ، النسخة التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية، إلى أن الاتحاد العام لعمال اليمن والسلطة المحلية بمحافظة الجوف باركا هذا الهجوم. فما حقيقة هذه الهجمات وما هي جدواها في التأثير على إسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية، وما هي تبعاتها على الشعب اليمني في مناطق سيطرة ذراع إيران؟
إيران تهدد وأذرعها تنفذ
قبل الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما له علاقة بموقف اليمن الثابت عموماً في صفّ القضية الفلسطينية، يمكن التطرق لموقف إيران إزاء فلسطين وكيف تستثمره في صراعها الدولي مع أمريكا ودول الغرب. باركت إيران هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، واستغلت ارتباك الدول العربية في إعلان موقف موحد ومتوازن إزاء الأحداث، بينما انبرت أذرع إيران في المنطقة العربية لتبني تهديدات مبكرة بالانخراط في الحرب ضد إسرائيل إذا مضت أمريكا في تدخلها الداعم لإسرائيل. تصريح زعيم المليشيا الحوثية، عبد الملك الحوثي، في الثامن من أكتوبر حمل هذا المعنى أيضاً. ومع استمرار إيران في المناورة مع أمريكا لوقف القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، بدأ حزب الله يناوش إسرائيل من جنوب لبنان بإطلاق بعض الهجمات بين وقت وآخر فيما بدا نوعا من المساندة الخفيفة لحركة حماس وإسقاطاً لواجب نصرة القضية الفلسطينية التي طالما تغنى بها الحزب لكسب التأييد الجماهيري لصفوفه.
لا تختلف مليشيا الحوثي عن حزب الله في شيء، بل إن نقاط التشابه أكثر من نقاط الاختلاف، خاصة في الفكر الطائفي والتغني بنصرة قضية فلسطين ومعاداة إسرائيل وأمريكا، ولم يعد دعم حزب الله للحوثيين خافياً على أحد. وخلال الأسبوع الماضي عندما أعلنت قيادة الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط أن قواتها أسقطت عدداً من الصواريخ والمسيّرات فوق البحر الأحمر قادمة من اليمن، لم تعلن المليشيا الحوثية مسؤوليتها عن إطلاق تلك الصواريخ. ثم ظهر عبدالعزيز بن حبتور الذي أقالته قيادة المليشيا من رئاسة حكومتها في صنعاء وكلفته فقط بتسيير أعمالها، ليعلن أن المليشيا “قد تستهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر”، ليأتي بعد ذلك يحيى سريع ويؤكد تبني الجماعة لإطلاق ثلاث هجمات على جنوب إسرائيل.
لا تزال إيران تناور أمريكا بخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة، والاثنين سافر وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان إلى واشنطن لإجراء محادثات مع الجانب الأمريكي من أجل وقف الحرب على غزة، وهو المطلب التي سعت وما زالت تسعى إليه الدول العربية وخاصة مصر والأردن منذ اليوم الأول من جولة الحرب. لم تطلق إيران رصاصة واحدة ضد إسرائيل إلى الآن، وربما هي لا تحتاج إلى ذلك ما دام لديها وكلاء مخلصون لها في المنطقة أكثر من إخلاصهم للقضية الفلسطينية، وسوف يتضح ذلك إذا وصلت طهران إلى اتفاق تهدئة مع واشنطن. قد تكون هجمات حزب الله مؤثرة على إسرائيل في ضوء حرب 2006 وفي ضوء وجود حدود مشتركة بين إسرائيل ولبنان، والقدرات العسكرية التي بناها الحزب بمساعدة ودعم إيران طوال أكثر من 40 سنة، لكن ماذا عن هجمات ذراع إيران في اليمن التي تبعد جغرافياً عن الحدود الجنوبية لإسرائيل أكثر من 2200 كيلومتر؟ وماذا عن الرد الإسرائيلي والأمريكي على هجمات أذرع إيران في لبنان والعراق واليمن؟
دعاية أم إسقاط واجب؟
في حديث مع وكالة سبوتنيك الروسية الثلاثاء، يوضح المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، ماك شرقاوي، أن واشنطن لن ترد على هجمات المليشيا الحوثية على إسرائيل، مشيراً إلى أنه “لو كانت هناك حاجة ملحة فإن الأمر لن يتعدى عمليات سطحية جدا كما حدث مع “حزب الله” اللبناني والحرس الثوري الإيراني في سوريا”.
وقال إن “هناك صفقات مواءمات سياسية تجري بين واشنطن وعدد من العواصم في المنطقة وتتداخل فيها العديد من الملفات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يبدو ظاهرا في عدم التحرك الجدي ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية وفقا لتصريحات القوى والفصائل المسلحة في بداية الحرب”.
وتابع شرقاوي: “لو عدنا للتصريحات التي أطلقت في بداية الحرب من إيران على سبيل المثال بعدم التهاون في الأمر وأنها سوف تشارك في الحرب إذا ما دخلت أمريكا، وقامت إسرائيل بالعملية البرية، وبعد تلك الأيام القاسية نجد أن إسرائيل توغلت داخل القطاع وارتكبت الجرائم التي يندى لها الجبين ومع ذلك ليس هناك أكثر من التصريحات حول مواعيد وتوقيتات الرد”.
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أنه “تم الإعلان عن خطاب سوف يلقيه حسن نصر، زعيم “حزب الله” اللبناني يوم الجمعة المقبل، وعلينا الانتظار عما سوف يقرره الحزب بشأن الحرب التي سوف تكون قاربت على الشهر منذ اندلاعها، حيث سيظهر الموقف الحقيقي للحزب في هذا الخطاب وفق اعتقادي”.
وأضاف شرقاوي: “لا أتوقع أن يكون هناك أكثر من المناوشات بين “حزب الله” اللبناني وإسرائيل التي اعتدنا عليها منذ سنوات والتي تهدف إلى التسويق الداخلي للحزب أولا في الداخل، وأنه حصن الأمان ضد إسرائيل”، لافتاً إلى أن واشنطن لن تقصف في اليمن قصفا موجعا، لأنه “كان بوسعها فعل ذلك منذ 8 سنوات ولديها أكثر من 2000 جندي داخل اليمن، ونفذت العديد من العمليات ضد تنظيم “القاعدة” الإرهابي، لأنها تريد الإبقاء على الحوثيين كفزاعة في المنطقة للضغط بها على الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات”.
ويتضح من خلال حديث شرقاوي ومن خلال الوقائع على الأرض وتصريحات قيادات الحوثيين، كيف يمكن أن تحاكي مليشيا الحوثي حزب الله اللبناني في استخدام القضية الفلسطينية للترويج لنفسها داخلياً وإحكام قبضتها على المناطق التي تسيطر عليها، والمزايدة باسم القضية الفلسطينية، بالرغم من أن الموقف اليمني عموماً، حكومة وشعباً لم يكن إلا داعماً لفلسطين وضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق الفلسطينيين.