أصبح إصرار المملكة العربية السعودية على الخروج من الحرب في اليمن، موضع تساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الرياض في التنازل لجماعة الحوثي، والثمن الذي يمكنها أن تقدمه لتمهيد الطريق لعملية السلام التي تنشدها وشرعت في العمل عليها.
لكنّ مراقبين يحذرون من أنّ الأسلوب الذي تتبعه المملكة في محاولتها طي الملف اليمني والتخلّص من أعبائه، والقائم على السير المنفرد في طريق السلام وتجاوز جميع الشركاء بمن فيهم السلطة اليمنية المعترف بها دوليا وباقي الشركاء المحلّيين والإقليميين وحتّى الأمم المتّحدة، ينطوي على مخاطر وقد يؤدّي إلى نتائج عكسية بأن يؤجج الصراع من جديد، أو يفضي في أحسن الأحوال إلى ولادة سلام قصير العمر يكون بمثابة استراحة محاربين يستعدون لاستئناف الصراع.
ويرى هؤلاء أنّ تنازلات السعودية لجماعة الحوثي لا يمكن لها أن تكون من دون سقف، حيث لا يمكنها أن تمنحهم ما تمتلكه أطراف يمنية أخرى. وعلى سبيل المثال لا يبدو من المستبعد أن تطالب الجماعة بمحافظة مأرب الغنية بالنفط لتأمين أسباب الحياة للسلطة التي تديرها على الأجزاء التي تسيطر عليها من اليمن. وبحسب المراقبين، فإن ذلك لن يكون مقبولا حتى من قبل جهات موالية للسعودية في الوقت الحالي وعلى رأسها حزب التجمّع اليمني للإصلاح ذو التوجهات الإخوانية والذي يسيطر على جزء مهمّ من القوات اليمنية ويستخدمها في السيطرة على مأرب.
وورد في تقرير لمجلّة فورين بوليسي الأميركية أن السعودية والحوثيين اتّجها في محادثاتهما المباشرة نحو تجاوز وساطة الأمم المتّحدة بعد أن توسّطت سلطنة عمان في فتح قنوت التواصل المباشر بينهما. ورأت محررة التقرير فيينا علي خان أنّه حتى لو بدا أن كلا الجانبين لديه حوافز لتجنب مشاركة الأمم المتحدة في الوقت الحالي، فإن المزيد من الصراع وعدم الاستقرار يشكل تهديدا لمصالح السعودية والحوثيين على المدى الطويل.
ومنذ عام 2015 أنفقت المملكة ما يقدر بأكثر من 265 مليار دولار على حملتها في اليمن. وتريد الرياض الآن تحويل تركيزها إلى رؤية 2030 وهي خطة محلية طموحة لإصلاح اقتصادها. ويمكن للحوثيين أن يفسدوا هذه الخطة بإطلاق الصواريخ عبر الحدود على الأراضي السعودية كما فعلوا طوال الحرب. وتحتاج الرياض إلى انتهاء القتال في اليمن لضمان أمنها وإنجاح خطتها التنموية.
ولفتت المحرّرة إلى أن الحوثيين لم يتنازلوا عن شروطهم لإنهاء الحرب. وتشمل مطالبهم رفع جميع القيود المفروضة على الحركة في مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة الذي يسيطرون عليه، وضمان دفع رواتب جميع موظفي الدولة بمن في ذلك العسكريون والأمنيون من عائدات النفط الحكومية.
ولن تفكر الجماعة في الدخول في محادثات يمنية مع خصومها إلا بعد استيفاء هذه الشروط. وتشمل مطالبها الإضافية انسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن، وقيام السعودية بتغطية تكاليف إعادة الإعمار. وكشفت الباحثة علي خان عن مناقشات أجرتها مع مسؤول سعودي وتوصلت من خلالها إلى أن الرياض مستعدة للاستجابة لمعظم مطالب الحوثيين إذا وافقت الجماعة على وقف دائم لإطلاق النار.
ومع ذلك، تستدرك الباحثة، فإن إحدى النقاط الشائكة الرئيسية هي مسألة دفع الرواتب حيث يصر الحوثيون على أن يحصل موظفو المناطق التي يديرونها على رواتبهم من أرباح صادرات النفط الحكومية. ويشكل ذلك تحديا كبيرا للحكومة المعترف بها دوليا حيث تشكل تلك الأرباح غالبية إجمالي إيراداتها.
ومن المفهوم أن المجلس الرئاسي اليمني سيكون منزعجا بشدّة من أن يتم التفاوض على الثروة النفطية دون مساهمته. كما يريد الحوثيون مصدرا مستداما للإيرادات لضمان استقلالهم الاقتصادي وضمان قدرتهم على الحكم بغض النظر عن نتيجة الصراع. وقد حاولوا دون جدوى تأمين ذلك عسكريا من خلال محاولة الاستيلاء على حقول النفط في محافظة مأرب سنة 2021 ويسعون الآن لتحقيق نفس الأهداف من خلال التفاوض.
وهناك عقبة أخرى تتمثل في أن الرياض تريد أن يعترف بها الحوثيون كوسيط، وليس طرفا في الصراع، في محاولة لتجنب تحمل تكاليف إعادة الإعمار. وعلاوة على ذلك، تعمل الرياض على افتراض أنها إذا رضخت لمطالب الحوثيين فسوف تشارك الجماعة في محادثات يمنية داخلية للتوصل إلى تسوية. لكن الحكومة اليمنية تخشى أنه إذا تنازلت الرياض بالكامل للحوثيين وبالتالي خرجت من الصراع فسيسعى الحوثيون للاستيلاء على البلاد بأكملها.