تجاهل القيادي في صفوف مليشيا الحوثي- الذراع الإيرانية في اليمن- مهدي المشاط، الحديث عن قضية صرف رواتب موظفي الدولة في صنعاء والمحافظات المجاورة لها، في ظل اتساع رقعة معاناة السكان يوماً بعد آخر منذ نهب الجماعة للمرتبات عقب انقلابها على مؤسسات الدولة في سبتمبر/ أيلول 2014.
وفي خطابه الأخير، الأربعاء 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بمناسبة عيد الاستقلال في جنوب الوطن 30 نوفمبر، دعا المشاط قيادات التحالف العربي الداعم للحكومة المعترف بها دولياً، إلى ما وصفها بـ(جدولةِ الخُطواتِ التنفيذيةِ والبدء الفعليِ في معالجةِ ملف الأسرى ورفع القيود عن الموانئْ والمطارات اليمنية) متجاهلاً الإشارة إلى قضية صرف مرتبات أكثر من مليون و200 ألف موظف يمني، تقطعت بهم سبل الحياة للعام الثامن على التوالي منذ توقف صرف الرواتب عام 2016.
وفي حين تسعى مليشيا الحوثي لاستثمار عواطف اليمنيين وتداعيات حرب الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بصرف اهتمامات اليمنيين وموظفي الدولة عن مطالب صرف الرواتب، إلى حديث إطلاق الصواريخ والمسيرات المزعومة والتحشيد لما تصفها بـ(نصرة غزّة)، يعلّق اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي تهكماً وسخرية، منتظرين باهتمام بالغ “إطلاق المليشيا رشقات صاروخية لدك جيوب الموظفين بنيران المرتبات”.
ولا يرى الناشط على موقع التواصل (x) منير الورد، فارقاً يذكر بين (قاطع أشجار الزيتون في فلسطين، وقاطع مرتبات الموظفين في اليمن)، مشيراً بذلك إلى ممارسات الكيان الإسرائيلي ومليشيا الحوثي.
ويرى الناشط الورد أن مليشيا الحوثي تهرب من الاستحقاقات الداخلية إلى افتعال أزمات داخلية وخارجية، وتسعى للتحرش بالسفن في خطوط الملاحة الدولية والمياه الإقليمية، على أمل تلقيها ضربة خاطفة لاستثمارها في التحشيد مجدداً بذريعة أسطوانة ما تصفه بالعدوان، ومن ثم الاستمرار في نهب مرتبات الموظفين.
وفي مقاربة مماثلة، تداول ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي تعليقات وأخباراً تهكمية تزعم تحويل الإسرائيليين يوم 1 ديسمبر/كانون الأول 2023 لمرتبات الموظفين في قطاع غزة والضفة الغربية بفلسطين، وذلك من عائدات الضرائب فقط، مشيرين بالقياس إلى مرور 8 سنوات على حرمان مليشيا الحوثي للموظفين من المرتبات بمزاعم “نقل البنك إلى عدن” و”مرتباتكم في البنك الأهلي السعودي”. وأضاف هؤلاء “سلام الله على إسرائيل والصهاينة”.
وبلغة ساخرة مماثلة، تزعم الناشطة التربوية أم معاذ، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أبدت استعدادها الانسحاب من غزّة شريطة صرف مليشيا الحوثي لمرتبات الموظفين وإطلاق الأسرى والمعتقلين في مقدمتهم الشيخ والناشط الحقوقي التربوي أبو زيد الكميم.
السياسي اليمني والكاتب الصحفي محمد المقالح تساءل من جانبه: “لماذا لا تذكر قضية المرتبات وفتح الطرقات في خطابات رموز السلطة؟”، موضحاً: “مع أن كل خطابات هؤلاء تكاد لا تخلو من مفردتي الحصار والعدوان رغم مرور قرابة العامين من الهدنة وتوقف الحرب؟”. وأضاف المقالح على موقع (x) متسائلا: “إذا لم يكن قطع المرتبات في زمن الهدنة هو العدوان، وقطع الطرقات هو الحصار فما هو الحصار وما هو العدوان؟!”.
ومنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، تتصاعد حملات احتجاجية عفوية لآلاف الموظفين والموظفات ونشطاء حقوق الإنسان وأعضاء في نقابات مهنية واتحادات عمالية على شبكات التواصل الاجتماعي، مطالبين مليشيا الحوثي بصرف الرواتب من إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم والجبايات المختلفة وفوارق أسعار المشتقات النفطية.
وتهاجم مليشيا الحوثي الأصوات الحقوقية المطالبة بصرف المرتبات من الإيرادات التي تنهبها الجماعة، وتصف هؤلاء بأنهم “حمقى”، وتلصق بهم تهمة “خدمة العدو” حسب خطاب سابق للقيادي في الجماعة مهدي المشاط، كما ترفض مناقشة الحسابات الختامية والموازنات العامة للدولة بغية إخفاء حجم الأموال الحقيقية التي تغطي ميزانية صرف المرتبات.
وعلى إثر الهدنة الأممية في أكتوبر 2022، تحصلت المليشيات الحوثية على امتيازات اقتصادية، خصوصاً فتح ميناء الحديدة وتسهيل حركة نقل البضائع والمشتقات النفطية لمناطقها؛ وهو ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع الإيرادات المحصلة إلى جانب الضرائب والجمارك التي تفرضها على التجار.
وكانت الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، كشفت حينها عن عمليات قامت بها المليشيا الحوثية بحق إيرادات الدولة العامة والضرائب والجمارك خلال عامين. وأن المبالغ التي جرى الاستحواذ عليها وصلت إلى أكثر من 9 مليارات دولار منذ مطلع 2022 حتى منتصف العام الحالي 2023.