رأى خبراء سودانيون إن قائد الجيش السوداني الفريقعبدالفتاح البرهان ، ورَّط سكان مناطق شرق الجزيرة، الذين قام بتسليحهم ودفعهم لمواجهة قوات الدعم السريع للقتال نيابة عنه، وذلك ضمن مخطط الحرب الأهلية التي يحاول إغراق البلاد فيها.
وكان البرهان حضّ على الحرب الأهلية، الأسبوع الماضي، وذلك خلال زيارته لمنطقة البطانة وسط البلاد، لتقديم العزاء لذوي قائد متحرك الجيش العميد أحمد شاع الدين، الذي قتل، خلال معارك مع قوات الدعم السريع في منطقة “تمبول”.
وتعهد البرهان للمواطنين في منطقة البطانة، بتسليح أي شخص قادر على حمل السلاح، مشيرًا إلى أنه سبق وسلَّح من طلبوا السلاح، والآن سيتم تسليح قبيلة الشكرية مثلما طلبت، وفق زعمه.
وأضاف البرهان مخاطبًا القبيلة: “نحن نعرف الشكرية لو فكينا لهم اللجام، وقلنا لهم امشوا لا يقفون”، في إشارة إلى تسليحها ودفعها لقتال قوات الدعم السريع نيابة عن الجيش.
وخلال الأيام الماضية، اندلعت معارك ضارية في منطقة تمبول وقرى أخرى شرق الجزيرة، بين قوات الدعم السريع، والجيش السوداني، والميليشيات التي سلّحها البرهان باسم المقاومة الشعبية مما خلف عشرات القتلى والجرحى.
وصاحبت هذه المعارك وما تلاها من نتائج، موجة من حملات التضليل الممنهج من خلال تصوير الأحداث بأنها هجوم من الدعم السريع ضد المواطنين، وفق ناشطون.
متاجرة رخيصة
من جهتها وصفت قوات الدعم السريع حملات التضليل التي تقوم بها غرف “الفلول” بـ”المتاجرة السياسية الرخيصة” بدماء من سلّحهم البرهان، ودفعهم للقتال نيابة عنه.
وقالت في بيان تلقّاه “إرم نيوز”، إن قوات البرهان بعد هزيمتها في ميادين القتال، انخرطت، في تسليح ما يسمّى بالمقاومة الشعبية وكتائب العمل الخاص في عدة قرى ومناطق بولاية الجزيرة، وزجّت بالمئات في القتال، وانسحبت للتباكي على مصيرهم.
وأكد البيان أن البرهان يتحمّل المسؤولية الكاملة فيما تشهده ولاية الجزيرة من اشتباكات مع المقاومة الشعبية، وكتائب العمل الخاص، مشيرًا إلى تصريحات موثقة لقائد الجيش كان قد أعلن فيها تسليح المدنيين تحت مسمّى المقاومة الشعبية للقتال نيابة عن الجيش.
وكشفت قوات الدعم السريع عن مخطط استخبارات الجيش وجهاز المخابرات، في ولاية الجزيرة عبر القائد المنشق “كيكل” الذي قام بتسليح الآلاف في قرى شرق، ووسط، وغرب الجزيرة.
وقبل أسبوع انشق قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، أبوعاقلة كيكل، وانضم إلى الجيش السوداني، في وقت أكدت فيه مصادر أمنية، أن الرجل كان جاسوسًا داخل الدعم السريع، وكان يخطط لتسليم كل المنطقة للجيش السوداني بيد أن مخططه فشل وهرب ليسلم نفسه.
وأوضح البيان أن “كيكل” تعمّد قبل انشقاقه تجريد أعداد كبيرة من أفراد “الدعم السريع” من السلاح بمزاعم وحُجج حملات محاربة الظواهر السالبة، كما زجَّ بالآلاف من الجنود في السجون وفق اتهامات باطلة، كما قام بتصفية العشرات داخل مستشفى رفاعة، بأوامر منه وتنفيذ عناصر ميليشيا “العمل الخاص” التي قام بتجنيدها لإتمام مهام المخطط، بعد إغلاقه مكاتب الاستخبارات في عدد من المحطات واستبدالها بعناصر تابعة له.
وأضاف أنه “فور انشقاقه تواصل كيكل، طالبًا من عناصره نصب مدافع “الدوشكا” على المركبات، وإنشاء الدفاعات استعدادًا لـساعة الصفر، وحينها احتفل مؤيدوه في معظم قرى شرق الجزيرة، ونفذت عناصره طوافًا عسكريًا داخل القرى، وتم تسليح الإسلاميين وما يسمّى بـمؤتمر الجزيرة بإشراف عناصر جهاز المخابرات”.
وتابع أن “نتيجة هذه المخطط تتجلى، الآن، في التباكي على أحداث بعض القرى، حيث هاجم منسوبوها بأسلحة متنوعة (دوشكا، رشاش وكلاشنكوف) قوات الدعم السريع، التي تعاملت معهم بحسم”.
وأشار البيان إلى أن قرى الجزيرة حتى وقت قريب ظلت تعيش في أمن واستقرار متنامٍ، لكن استخبارات البرهان، ومكائد الإسلاميين، أحالتها إلى ساحات حرب بعد أن وزعت السلاح بصورة همجية على عناصر من تسميهم بـ “المقاومة الشعبية”، وهم في الأصل كتائب الدفاع الشعبي والإرهابيين، وفق البيان.
لا تهاون مع المجرمين
وشددت قوات الدعم السريع على أنها “لن تتهاون مع المجرمين، وستضرب بيد من حديد كل من يحمل السلاح، ولن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة ما يسمّى بالعمل الخاص والمقاومة الشعبية”، داعية المواطنين إلى الابتعاد عن جميع مواقع المواجهات العسكرية مع ميليشيات الحركة الإسلامية، وعدم الاستجابة لدعوات البرهان بحمل السلاح.
وأكد البيان أن قوات الدعم السريع ليس لها عداء مع أي مكون قبلي، وأن عدوها الوحيد هي الحركة الإسلامية وميليشياتها.
وأضاف أنها “تعلم أن دعاة الحرب يدفعون، الآن، بآخر كروت، لهم ضمن مخطط الحرب الأهلية، لكن قوات الدعم السريع، باتت على دراية أكثر من أي وقت مضى في التعامل مع عناصر النظام القديم بما يعجل بإنهاء مؤامراتهم الخبيثة وتخليص الشعب من المنظومة الشريرة مرة واحدة وإلى الأبد”.
عقلية مجرمة
ويرى المحلل الأمني، عادل بشير، أن ما جرى في مناطق شرق الجزيرة يأتي كنتاج لـ”العقلية المجرمة” للجيش السوداني التي ينطلق منها في إدارة الصراعات مع خصومه، مشيرًا إلى أنه ظل على مدى تاريخيه لا يعير أدنى اهتمام لحياة المواطنين، وإنما يدفعهم للقتال نيابة عنه، ومن ثم يتاجر بدمائهم.
وقال لـ”إرم نيوز”، إنه “ليس بمستغرب أن يقوم الجيش بتسليح السكان في شرق الجزيرة ويشحنهم بشعارات عاطفية، ويتركهم ليواجهوا مصيرهم أمام قوة نظامية مدججة بالسلاح، ثم يأتي ليتباكى عليهم لأجل المزايدة ومحاولة كسب ود الشعب، وتجريم قوات الدعم السريع”.
وأضاف أن “الجيش السوداني فعلها من قبل في جنوب السودان ودارفور وغيرهما من مناطق الحروب التي خاضها، وظل يفعلها، الآن، منذ بداية هذه الحرب، على أمل أن يضع قوات الدعم السريع في مواجهة المواطنين بدلًا عن مواجهته، ليقول للعالم إنها قوات تحارب المواطنين وليس الجيش”.
وأشار إلى أن مخطط الجيش السوداني بتسليح المواطنين ووضعهم في مواجهة قوات الدعم السريع، كان يريده في دارفور وكردفان، لكنه فشل بسبب وعي السكان هناك من واقع كثرة التجارب التي طبقها عليهم خلال الفترات الماضية.
مبينًا أنه “يحاول، الآن، ولأول مرة، تطبيق هذا السيناريو على قبائل وسط السودان التي ظلت مناطقها بعيدة عن عنف الدولة منذ استقلال البلاد”.
وأكد أن جنرالات الجيش السوداني ليس لديهم سقف أخلاقي أو وطني في إدارة الصراعات، لذلك يتوقع منهم أن يفعلوا كل شيء في سبيل المحافظة على امتيازاتهم في السلطة والثروة.
مخطط قديم
ويرى المحلل السياسي، عمار الباقر، أن البرهان وقادة الجيش سعَوا منذ البداية إلى تحويل الحرب في البلاد إلى حرب أهلية، من خلال محاولة استعداء القبائل لقوات الدعم السريع، بعد وصف مقاتليها بـ “الأجانب وعرب شتات”، وغير ذلك من الأوصاف.
وأشار الباقر، لـ “إرم نيوز”، إلى الاستهداف الممنهج لقبائل بعينها من كردفان ودارفور، ومحاولة تصويرها في المخيلة العامة بأنها تعادي السودان، وذلك لجعل السودانيين ينجرون خلف تلك الدعاية، ومحاربة هذه القبائل، بيد أن الوعي أفشل المخطط.
وأضاف أن “البرهان، الآن، يراهن على شحن قبيلة الشكرية وغيرها من قبائل الوسط، بالخطابات العنصرية للقتال نيابة عنه، وتصوير الأمر بأن قوات الدعم السريع تحارب هذه القبائل وليس الجيش”.
واستبعد الباقر أن تنجر المجتمعات الأهلية إلى أتون الصراع العرقي، نسبة للوعي المنتشر وسطها، حول أبعاد هذه الحرب، مشيرًا إلى أن هنالك مجموعات بقوات الدعم السريع تنحدر من ذات القبائل والجهات التي يراهن عليها البرهان، كما أن هنالك ما وصفها بـ”الكتلة الحرجة”، التي تقف على الحياد حيال ما يجري، ومن شأنها أن تُفشل مخططات تحويل الصراع إلى حرب أهلية، وفق قوله.