✍ مقال لـ : د. حسين لقور بن عيدان
نبض الشـارع الشبواني – متابعة
الأربعاء، الموافق 22 يناير 2025
لطالما شكّل جنوب الجزيرة العربية نقطة التقاء الحضارات ومسار عبورٍ للتاريخ، إلا أن وقائع القرن العشرين وما تلاه أفرزت تحولات عميقة، حملت معها أزمات متراكمة وصراعات مستمرة، خرج اليمن من قبضة حكم الأئمة المظلم بعد قرون طويلة ليجد نفسه في واجهة جمهورية دون جمهورية، ولم تكتمل ملامحها، فيما خرج الجنوب العربي من استعمار بريطاني دام قرنًا وربعًا، ليقع في فخ نظام لا ينتمي لزمانه ولا لمكانه، وبين هذين المشهدين، تشكّلت حقبة من الانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تقاطعت فيها مسارات الفشل بشكل مأساوي.
شهدت اليمن والجنوب العربي عقودًا من الهزات والصراعات المتتابعة التي لم تترك مجالًا لبناء استقرار حقيقي، القاسم المشترك بينهما لم يكن سوى تلك الأزمات، التي باتت أشبه بدوامة لا تهدأ، تغذّيها قيادات افتقرت إلى الحكمة والرؤية السليمة، وكان أولئك الذين تسلّقوا مواقع القرار لم يقدّموا حلولًا بقدر ما عمّموا الفوضى، وأفسحوا المجال أمام الفساد ليصبح القاعدة لا الاستثناء، وفي ظل غياب القانون، تحولت المجتمعات في البلدين إلى ضحايا لتجارب فاشلة، يدفع ثمنها المواطن البسيط الذي يعاني من تبعات الماضي والحاضر على حد سواء.
في المقابل، لم تشهد دول الجوار مثل تلك الاضطرابات والانقلابات التي عصفت بجنوب الجزيرة، حيث حضرت الحكمة السياسية واليقظة الاستراتيجية التي تميّز بها حكام هذه الدول ومكّنتها من بناء منظومات مستقرة أمنيًا واقتصاديًا، قدّمت فيها هذه الدول لشعوبها أهم عوامل الاستقرار الأمن والأمان، ثم أتبعتها بالحوكمة وخطط تنموية طموحة كان لها أثرٌ واضح في تحسين جودة الحياة وتوسيع آفاق المستقبل.
هنا يظهر الفارق الجوهري عندما تحكم القيادة التي توازن بين القرارات والمصالح، وتدرك تبعات كل خطوة، مقابل قيادة غارقة في التجارب العشوائية التي لا تراعي التكلفة ولا المآلات.
لا شك أن حياة الشعوب في كثير من الحالات في جوهرها، مسيرة طويلة من الصراعات والتحديات ثم النجاحات، فالتاريخ مليء بدروس الانتصارات والانكسارات، لكن ما يميّز الأمم الناجحة هو قدرتها على استثمار التحديات وتحويلها إلى فرص. في هذا السياق، يظهر دور القادة الحكماء الذين يدركون أن الحكم ليس مجرد سلطة، بل مسؤولية ضخمة تتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الوطنية والتكاليف الاجتماعية.
أما في حالة اليمن والجنوب العربي، فقد غابت هذه المعادلة وتكرّست الفوضى كواقع دائم، وتحوّلت القرارات إلى مغامرات غير محسوبة، تقود الشعوب إلى مزيد من المعاناة، وهنا تكمن المأساة حين يتحكّم في مصائر الشعوب من لا يمتلكون الكفاءة ولا الرؤية.
إن قراءة المشهد اليوم في جنوب الجزيرة العربية لا تكتمل إلا بفهم عميق لجذور الأزمات وطبيعة القيادة، فالتغيير الحقيقي لا يكمن في تبديل الوجوه، بل في إعادة صياغة فلسفة الحكم نفسها، قد تكون رحلة النهوض شاقة، لكنها تبدأ أولًا بالاعتراف بأخطاء الماضي، ثم بالعمل على بناء أسس جديدة تقوم على سيادة القانون، الشفافية، والتنمية المستدامة.
فكما تُعلّمنا دروس التاريخ، أن الشعوب التي تتجاوز أزماتها هي تلك التي تدرك أن الحكمة في القيادة ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لا غنى عنها.
——————————————————
للانضمام لمجموعة نبض الشارع الشبواني على الواتس آب أضغط هنا👇
مجموعة نبض الشارع الشبواني على الـ Whatsapp
——————————————————
– لمتابعة صفحة نبض الشارع الشبواني على منصة X “تويتر سابقاً” أضغط هنا👇
صفحة نبض الشارع الشبواني على الــ X-Twitter
——————————————————
لمتابعة صفحة نبض الشارع الشبواني على الفيس بوك أضغط هنا👇
صفحة نبض الشارع الشبواني على الــ Facebook
——————————————————
«صفحة إخبارية تنشر الحقيقة كما هي، بمهنية إعلامية وطرح إخباري هادف»