✍ مقال لـ : د. حسين لقور بن عيدان
نبض الشــــــــــــــــــارع الشبواني – متابعة
الخميس، الموافق 14 أغسطس 2025
بعد أكثر من ثلاثة عقود على تجربة مشروع الوحدة بين اليمن والجنوب العربي، وعشر سنوات من حرب طاحنة، تتكشف اليوم في عدن وسائر الجنوب حقائق سياسية تفرض أسئلة جوهرية:
هل يمكن لمدينة واحدة، مهما اتسعت جغرافيًا أو رمزيًا، أن تحتضن سلطتين وقاموسين سياسيين متناقضين؟ وهل التعايش بين مشروعين متصادمين ليس سوى هدنة هشة بانتظار لحظة الحسم؟
عدن عاصمة الجنوب، العاصمة المؤقتة للشرعية، تعيش ازدواجية سياسية واضحة المعالم. فبينما تحاول الحكومة الشرعية ممارسة سلطتها الافتراضية، يفرض المجلس الانتقالي الجنوبي سلطة واقعية على الأرض، مدعومًا بقوة عسكرية راسخة وحاضنة شعبية واسعة. هذه المعادلة المتناقضة أنتجت توترًا مزمنًا، جعل من الاستقرار الحقيقي والتنمية المستدامة أهدافًا بعيدة المنال، كما برهنت أحداث عام 2019 بوضوح.
الواقع يجيب عن السؤال الحاسم: لا يمكن لمدينة واحدة أن تكون عاصمة لمشروعين متضادين. فالجنوبيون يرون في عدن عاصمة دولتهم المرتقبة ضمن حدود ما قبل 1990، بينما تصر الشرعية على اعتبارها عاصمة مؤقتة لمشروع دولة موحدة، لم يعد موجودًا إلا في الخطابات السياسية.
المفارقة الأشد وضوحًا تكمن في موازين القوة العسكرية. فالشرعية تدّعي السيطرة على المحافظات المحررة كحضرموت وشبوة وأبين والمهرة ولحج وعدن، لكن معظم القوات الفاعلة على الأرض من النخبة الحضرمية إلى قوات دفاع شبوة، ومن الأحزمة الأمنية في أبين ولحج إلى ألوية العمالقة على الحدود الدولية بين الجنوب واليمن، جميعها تعمل تحت قيادة المجلس الانتقالي، لا تحت راية الشرعية.
هذه المعادلة تكشف المأزق العميق للشرعية، فهي تحكم على الورق مناطق تخضع ميدانيًا لقوات لا تدين لها بالولاء. بمعنى آخر أنها لم تعد مجرد حكومة مُبعدة عن صنعاء، بل صارت حكومة “ضيف” حتى في الجنوب.
لقد دفع الشعبان اليمني والجنوبي أثمانًا باهظة لتجربة مشروع الوحدة، حروب متتالية، وتهميش ممنهج للجنوب، تقزيم القوانين ونهب للموارد، ثم حرب مدمرة تجاوزت عقدًا من الزمن، حتى باتت فكرة نجاح مشروع الوحدة مصطلحًا سياسيًا أجوف، بعيدًا عن حقائق الميدان وإرادة الشعوب.
اليوم، تقترب لحظة الحقيقة، الجنوبيون أكثر صراحة في مطالبهم، الشرعية تواجه واقعها الصعب، والمجتمع الدولي يتهيأ للاعتراف بأن الحلول القديمة لم تعد قابلة للحياة.
لقد أثبتت التجربة أن مشروع الوحدة، مهما كانت المبررات، لم تحقق الوعود التي رُوِّجت لها. هذا ليس حكمًا انفعاليًا، بل خلاصة تقييم موضوعي لتجربة امتدت ثلاثة عقود، وانتهت إلى انقسام وحروب ودمار.
الشرعية اليوم أمام ثلاثة خيارات أحلاها مرّ:
1 . القبول بدور رمزي مؤقت في إطار كونفدرالي انتقالي يقر بالخصوصية الجنوبية، بما يمهّد لقيام دولة جنوبية مستقلة، وهو طرح يجد صدى في الأروقة الدولية.
2 . الانكفاء إلى جيوب معاقلها في مأرب وتعز، بقدرات عسكرية محدودة، في مواجهة خصم عنيد في صنعاء (الحوثيون) وحليف يرفضها في الجنوب (المجلس الانتقالي) يحمل مشروع يهدم مشروع الوحدة.
3 . التحول إلى حكومة منفى، وهو الخيار الأكثر إذلالًا والأقل قابلية للاستمرار.
أما في ما يتعلق باليمنيين الفارين من بطش الحوثي إلى الجنوب، فالموقف الجنوبي العام المرتقب واضح، ترحيب بهم كضيوف ولاجئين سياسيين، مع ضمان أمنهم وكرامتهم، لكن من دون إشراكهم في القرار السياسي أو مفاصل الحكم. ليس ذلك عنصرية، بل حذر سياسي يستند إلى تجارب مريرة أثبتت أن التساهل في حماية القرار الجنوبي قد يقود إلى ضياع الوطن مرة أخرى.
لقد انتهى مشروع الوحدة، كما عرفناها منذ 1990 في مهده بعد غزو 1994 على أرض الواقع. والاستمرار في إنكار هذه الحقيقة ليس إلا إضاعة للوقت. المطلوب اليوم ليس محاولة إحياء ذلك المشروع بل صياغة ترتيبات جديدة تستوعب الواقع القائم وتمنح الاستقرار لكافة الأطراف.
الجنوب يمضي بخطى ثابتة نحو استعادة قراره، الشرعية تتقلص خياراتها، واليمن غارق في فوضى السيطرة الحوثية. هذه هي الخريطة الجديدة للإقليم، وعلى الجميع التعامل معها بواقعية بدل التمسك بأوهام الماضي وتقديم الحلول المجتزأة.
فالاستقرار، والتنمية، والاستثمار، لن تتحقق إلا بالاعتراف بهذه الحقائق، والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم، ليس هل سيتحقق التغيير، بل متى وكيف سيكون.
——————————————————
للانضمام لمجموعة نبض الشارع الشبواني على الواتس آب أضغط هنا👇
مجموعة نبض الشارع الشبواني على الـ Whatsapp
——————————————————
– لمتابعة صفحة نبض الشارع الشبواني على منصة X “تويتر سابقاً” أضغط هنا👇
صفحة نبض الشارع الشبواني على الــ X-Twitter
——————————————————
لمتابعة صفحة نبض الشارع الشبواني على الفيس بوك أضغط هنا👇
صفحة نبض الشارع الشبواني على الــ Facebook
——————————————————
«صفحة إخبارية تنشر الحقيقة كما هي، بمهنية إعلامية وطرح إخباري هادف»