تتضمّن العملية العسكرية التي بدأتها القوات الأميركية ضدّ جماعة الحوثي في اليمن إنذارا شديد اللهجة لباقي الأذرع الإيرانية في المنطقة وتحديدا للميليشيات الشيعية في العراق والتي ستكون في حال تمكّن الولايات المتحدة من إضعاف الحوثيين وإرخاء قبضتهم على المناطق اليمنية بمثابة الغلاف الأخير لإيران والذراع المتبقية لها بعد أن كانت إسرائيل قد وجهت ضربات قاصمة لحزب الله في لبنان أضعفته إلى حدّ بعيد وجعلته في حالة دفاع محاولا الحفاظ على ما بقي من تماسكه.
وكشفت الضربات الأميركية لمواقع الحوثي غير المسبوقة في عنفها وكثافتها واتساع نطاقها الجغرافي عن مدى جدّية إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في مواجهة القوى والفصائل التابعة لإيران في المنطقة وعزمه على إنهاء دورها، وذلك لحرمان إيران من الميزة التي وفرتها لها تلك الأذرع على مدى سنوات طويلة سابقة ومكنتها من مدّ نفوذها في عدّة بلدان عربية وعملت لمصلحتها كأداة لمقارعة خصومها ومنافسيها في معارك بالوكالة قليلة الكلفة ومرتفعة العوائد.
ويعمّق ذلك قلق قادة تلك الفصائل والقوى السياسية العراقية المرتبطة بها وهو قلق قائم بالفعل بسبب المطالبات الأميركية للسلطات الرسمية العراقية بتحجيم دور الميليشيات وضبط سلاحها وصولا إلى مطالبة واشنطن لبغداد بحلّ الحشد الشعبي المشكّل من العشرات من الميليشيات.
وبدأ التوتّر الذي سببه انطلاق العملية العسكرية ضدّ جماعة الحوثي يظهر في ردود أفعال الميليشيات الشيعية في العراق التي يجمعها بالجماعة المذكورة الولاء لإيران والعمل لمصلحتها.
وأصدرت حركة النجباء، إحدى أكثر الميليشيات ارتباطا بالحرس الثوري الإيراني، بيانا الأحد جاء فيه أنّ “الوجود الأميركي في المنطقة لم يجلب إلا الويلات والقتل والتشريد وإبادة سكان هذه المنطقة، التي لم تر خيرا ولا استقرارا عند حلول دولة الظلم والتخريب ونهب الخيرات في أي مكان.”
كما ورد في البيان ذاته “بعد وقف إطلاق النار في غزة الإباء وبدء محور المقاومة في التهدئة دعما منه للسبل التي تسهم في إيصال المساعدات لسكان غزة المبادة والمظلومة ووفقا لالتزامات الدول الضامنة، نری ازدواجية أميركا فنجدها اليوم تعتدي على يمن الصمود والبطولة والكرامة لتمثل دور الحامي والمدافع عن المجرم الصهيوني.”
ولم يخل بيان الميليشيا من تهديد يبدو أن قيادتها حرصت على أن يكون عاما وغير محدّد رغبة في تسجيل موقف لا أكثر، وذلك بالقول “التمادي في العدوان الفج والمتمثل بأقبح صور الظلم لن يستمر ولن ينال ما يريد من عزة وصمود الشعوب الحرة، وسنرى وترون ونسمع وتسمعون والعاقبة للمتقين.”
ونظرا لخطورة الموقف لجأت ميليشيات عراقية إلى التخفي وراء أسماء وهمية لتوجيه تهديدات أكثر صراحة إلى الولايات المتّحدة تضمّنتها بيانات مكتوبة وفيديوهات مصوّرة.
ولا يعتبر الظهور المفاجئ لفصائل غير معروفة سابقا أمرا جديدا في العراق بل هو أسلوب شائع اعتماده من قبل الميليشيات والفصائل المسلحة للتعبير عن المواقف وتوجيه التهديدات خلال الظروف الحرجة والأحداث الخطرة، والتي تلجأ إلى التعبير عن مواقفها باختراع أسماء وهمية مثل “ربع الله” الذي ظهر في سنوات سابقة كتسمية لتنظيم مسلح جديد قبل أن يختفي سريعا ليتبين أنّه لم يكن سوى واجهة لميليشيا حزب الله العراق استخدمته للقيام باستعراضات مسلّحة في بغداد ولتوجيه تهديدات لقيادات سياسية وعسكرية رسمية.
وعلى هذه الطريقة ظهر بمجرّد بدء الضربات الأميركية على الحوثيين فصيل مسلّح تحت مسمّى قوات درع العباس الاستشهادية ليدعو من خلال شريط مصوّر اتّخذ من صورة الزعيم السابق لحزب الله اللبناني حسن نصرالله خلفية له للانضمام إلى “المشروع الجهادي” والمشاركة في “حماية العراق والعقيدة”.
كما أصدر فصيل غير معروف يحمل اسم كتائب صرخة القدس الأحد بيان تأييد للحوثيين وزعيمهم عبدالملك الحوثي جاء فيه “نتابع بقلق وغضب بالغ ما يقترفه العدو الأميركي من جرائم بشعة بحق أهلنا في اليمن حيث يواصل عدوانه الهمجي الغاشم، مستهدفا الأبرياء، وضاربا عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية، في محاولات يائسة لكسر إرادة الشعب اليمني الصامد.”
وأضاف البيان “إننا في كتائب صرخة القدس نعلن بكل وضوح أننا على أهبة الاستعداد ورهن إشارة القائد عبدالملك الحوثي للرد على هذه الجرائم من خلال استهداف مصالح العدو الأميركي في المنطقة حيثما وجدت وبالوسائل المناسبة التي تجعلهم يدفعون ثمن جرائمهم بحق شعوبنا.”
ولا يقتصر القلق من التطورات اليمنية على الفصائل الشيعية المسلحة في العراق لكنّه يشمل سياسيين مشاركين في تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ويدركون حجم الضغوط الأميركية المسلطة على الحكومة بسبب نشاط الميليشيات وتعاظم الدور السياسي والأمني للحشد الشعبي.
ويمتلك الحشد تمثيلا سياسيا من خلال كتلته البرلمانية إضافة إلى حضوره ضمن الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة السوداني.
وأدان القيادي في الإطار عصام شاكر ما سمّاه “العدوان الأميركي على اليمن”. وقال إنّ “شنَّ الجيش الأميركي لعشرات الغارات على المدن اليمنية ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات من المدنيين، يمثل عدوانا سافرا ومدانا يأتي في إطار البلطجة الأميركية ضد شعب حر وبالتالي ستكون هناك ردود فعل على هذا التصعيد.”
◄ الشعور بخطورة الموقف دفع فصائل عراقية مسلحة إلى استخدام أسماء وهمية لتوجيه تهديداتها إلى الولايات المتحدة
وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “هذا العدوان سيفشل لعدّة أسباب أولها أن الإرادة اليمنية لا يمكن كسرها فقد حاولت قوى كثيرة في السابق القضاء عليها لكنها فشلت في نهاية المطاف، وأن الشعب اليمني لديه قدرة كبيرة على الدفاع عن نفسه، وسيكون هناك رد مباشر يدفع الأميركيون ثمنه.”
ويخشى العراقيون الذين واجهوا خلال مرحلة حكم الأحزاب الدينية لبلدهم تبعات عدم الاستقرار الأمني وكثرة الصراعات السياسية وتوقّف التنمية وتوسّع الفقر والبطالة في صفوفهم من أن يكون فقدان إيران للساحة اللبنانية بهزيمة حزب الله على يد إسرائيل، والساحة السورية بسقوط نظام حليفها بشار الأسد، مع إمكانية خسارة الساحة اليمنية إذا مضت الولايات المتحدة في تدمير قوة الحوثيين حتى إسقاطهم، دافعا للإيرانيين إلى اتخاذ الساحة العراقية مسرحا لمعركتهم الأخيرة ضدّ الولايات المتحدة بما سيكون له أسوأ النتائج على العراق وشعبه.
ويكرّس ذلك الموقف أن ملامح معركة اجتثاث الميليشيات الشيعية من العراق بدأت بالفعل مع ظهور المطالبات الأميركية بحلّ الحشد الشعبي وفق ما كشفت عنه مؤخرا مصادر سياسية مطلعة بشأن تلقي الحكومة العراقية رسالة أميركية طالبتها فيها إدارة ترامب بحل الحشد وضبط السلاح المنفلت ووقف تأثيرات دول الجوار على القرار العراقي كشرط لاستمرار الدعم الأميركي لبغداد سياسيا وأمنيا واقتصاديا.