مثل إرسال إيران سفينة حربية إلى البحر الأحمر، خطوة جريئة لتحدي القوات الأميركية في ممر التجارة الرئيسي الذي يربط باب المندب وقناة السويس، حيث أعطى هذا التحرك الإيراني دفعة لميليشيا الحوثي التابعة لهم، لاستمرار استهداف السفن التجارية وضرب القوات الأميركية المتمركزة قبالة سواحل اليمن.
وتحت حجة “تأمين الملاحة ومحاربة القرصنة” أطلقت طهران تصريحات شبه رسمية لتبرير إرسال المدمرة البحرية “البرز” العاملة ضمن الأسطول رقم 94 في القوات البحرية بالجيش الإيراني إلى مياه البحر الأحمر.
وصول المدمرة الإيرانية لقبالة سواحل اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أثار مزيداً من التوتر والمخاوف لدى شركات النقل البحري التي أعلنت تجنب تلك المنطقة، وتحويل مسار سفنها التجارية صوب جنوب أفريقيا – رأس الرجاء الصالح- رغم التكاليف المرتفعة لهذا المسار.
وبحسب مراقبون فإن إرسال إيران سفينة حربية للبحر الأحمر يمثل رسالة رفض واضحة للدعوات التي أطلقتها عدد من الدول الغربية، بينها بريطانيا وفرنسا من أجل الضغط على ميليشيات الحوثي -ذراع إيران في اليمن- لإنهاء هجماتهم ضد الملاحة الدولية. مضيفين: “مع وصول الدعم الإيراني للبحر الأحمر، لم ينخفض التصعيد، بل على العكس يُحتمل أن تشهد المنطقة استهدافاً متزايداً للأصول التجارية والسفن البحرية الأميركية في المستقبل”.
وأعلنت شركة “كوسكو” الصينية العملاقة للشحن توقف تسيير رحلات تجارية عبر البحر الأحمر في ظل الاضطرابات الحاصلة والتوتر المتصاعد في باب المندب والبحر الأحمر. وتعد الشركة الصينية رابع أكبر خط ملاحي للحاويات في العالم، وتسهم بحوالي 11% من التجارة العالمية.
من جهتها طالبت وزارة الصناعة الكورية الجنوبية، شركات الشحن بالنظر في توصيل الشحنات عبر طرق بديلة في ظل التوترات المستمرة في البحر الأحمر، حسبما أوردت وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية للأنباء.
وقال جو إك نو، المدير العام لسياسات التجارة الدولية في الوزارة: “وسط المخاطر الجيوسياسية المستمرة في البحر الأحمر، طلبنا من شركات الشحن النظر استباقاً في تغيير الطريق لأن سلامة سفننا ومنتجات التصدير هي الأولوية”.
وتؤكد دينا اسفندياري، كبيرة مستشاري منطقة الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، أن هناك خطرا حقيقيا من التصعيد الحوثي في البحر الأحمر. مضيفة: “خلال الأيام القليلة الماضية، اتضح لنا بالفعل أن هناك خطرا حقيقيا من التصعيد في المنطقة، وأن الحوثيين لا يخشون تنفيذ تهديداتهم في ضرب الملاحة”.
وتأتي حدة التصريحات وقوتها من قبل القيادات الحوثية عقب وصول السفينة الحربية الإيرانية إلى البحر الأحمر.
ويؤكد المراقبون أن القيادة الإيرانية تريد فقط استعراض القوة والدعاية الإعلامية ليس إلا في البحر الأحمر، وعلى الأرجح لن ترغب طهران في الدخول بمواجهة حربية مباشرة بالبحر الأحمر مع القوات الأميركية والدول المشاركة في عملية “حارس الازدهار”.
ويوضح رياض قهوجي، رئيس مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري: “الغرض من المدمرة الإيرانية التي وصلت إلى البحر الأحمر، هو عمل دعاية إعلامية وحسب، حيث تستهدف جمهوراً محلياً وإقليمياً، وتظهر إيران كقوة إقليمية قادرة على نشر أسطول بحري لتحدي الولايات المتحدة”، لكن يُستبعد أن تواجه هذه المدمرة السفن الحربية الغربية في المنطقة، لأن طهران لا تريد الدخول في أي حرب مباشرة مع الولايات المتحدة.
ويؤكد المحلل السياسي، خالد سلمان، أن التحرك الإيراني في البحر الأحمر جاء لإجهاض قصف ميليشيات الحوثي من قبل القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية. موضحا أن إرسال المدمرة هدفه خلط الأوراق وجعل الخيارات مفتوحة من أجل نزع فتيل الحرب وتأجيل ضرب الحوثي.
وأضاف: “طهران تعلب على مواقف واشنطن وعدم رغبتها في توسع الصراع والجبهات بعد التعهدات التي أطلقتها للكيان الإسرائيلي بحمايته وعدم أقلمة الصراع”. موضحا أن احتمالية تراجع ضرب الحوثي مع وصول الدعم العسكري الإيراني للمنطقة خيار ممكن، وربما الثمن سيكون انخرط إيران في مسار التسوية، لخفض استهداف السفن في الممرات الملاحية لتحقيق مكاسب.