يُثار الجدل في السنوات الأخيرة حول مدى التمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، إلا أن جدلاً أقل حدة ذلك الذي تتناوله وسائل الإعلام بمختلف أذرعها حول محاولة مد إيران نفوذها في قارة إفريقيا وآثار ذلك على الدول العربية الإفريقية. حيث شكّلت محاولات إيران مدّ نفوذها خلال العقود القليلة الماضية في إفريقيا أمراً لا يمكن إغفاله؛ وذلك لمحاولتها مد نفوذها بشكل ملحوظ لعدد من دول القارة الإفريقية، خاصة دول شمال غربي إفريقيا ثم دول غرب القارة.
بالنسبة لإيران، وفي تلك الأثناء، يعد السودان أرضًا خصبة في ظل الصراع العسكري المسلح، والذي يعد فرصة لتعزيز التسرب الإيراني داخل السودان بناء على تصاعد وتيرة الأحداث السياسية هناك، وهو ما يمكنها من إقامة علاقات مع أحد طرفي الصراع وغالبًا سيكون قائد الجيش السوداني البرهان بحكم العلاقة المتراكمة بين النظام الإيراني الخميني والجيش الذي مثله البشير وجاء البرهان من نفس الخلفية.
لم تتوقف إيران عن محاولاتها تمديد نفوذها في السودان منذ زمن بعيد، حيث سمحت العلاقات السودانية ــ الإيرانية لطهران بأن تستعرض قدرتها على التغلغل والتأثير في مراكز صناعة واتخاذ القرار في السودان وبالتحديد بعد صعود عمر البشير إلى حكم السودان عام 1989، حيث رفعت الحركات الثورية السودانية شعارات ثورية تشبه نظيرتها في إيران من ناحية مواجهة أمريكا وتعزيز شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية وما شابه.
ويحظى السودان بإطلالة على البحر الأحمر بطول يقارب 800 كلم، وهو ما جعله محورا للتنافس الإقليمي والدولي على تشغيل موانئه.
أهداف الدور الإيراني في القارة الإفريقية:
من خلال رصد و تتبع للدور الإيراني في الدول الإفريقية، يمكن حصر واستنتاج بعض أهدافه في إفريقيا كالتالي:
– مد النفوذ الإيراني في دول إفريقية وتصدير ما يُطلق عليه “تصدير الثورة” والمنصوص عليه في الدستور الإيراني، وذلك من خلال نشر المذهب الشيعي في دول هذه القارة، فكل من يتشيع تَعُده طهران ذخراً لها؛ لأنه تلقائياً يكون تابعاً لإيران ونظام ولاية الفقيه، مثل كثيرين من الشيعة في نيجيريا على سبيل المثال.
– الخروج من العزلة السياسية الدولية المفروضة على النظام الإيراني بسبب العديد من الملفات المثارة، كالملف النووي والصاروخي ودعم الإرهاب والفوضى وخرق القانون الدولي.
– وجود منافذ اقتصادية تجارية لإيران مع الدول الإفريقية.
– استخدام بعض الدول الإفريقية كتهديد استراتيجي لبعض الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية، فإيران تستخدم -على سبيل المثال- السواحل الإريترية والجيبوتية لتهريب الأسلحة وتقديم الدعم العسكري إلى الحوثيين في اليمن.
التشيع في السودان:
رغبة إيران في زيادة أعداد المتشيعين من سكان منطقة الشرق الأوسط باعتبارها امتدادا جغرافياً واستراتيجيا مهما للغاية بالنسبة للمشروع الفارسي تحت راية التشيع السياسي المعبرة عنه الخمينية وما يعرف عنها بتصدير الثورة، وقد قام أحد المدونين على شبكة الإنترنت باختصار هذا الجانب بقوله: “المذهب في خدمة الأهداف الاستراتيجية، والأهداف السياسية والاقتصادية في خدمة نشر المذهب الشيعي.
يحظى السودان بأهمية كبرى في السياسة الخارجية الإيرانية ولقد وصف التقرير السنوي لوزارة الخارجية الإيرانية عام 1996 بأن السودان يمثل –أولى أوليات السياسة الخارجية الإيرانية، وأن إيران تنظر لشرق إفريقيا بوصفه تربة خصبة لنشاطاتها السياسية والفكرية والعسكرية والاقتصادية وتعتبر إيران السودان ذا أهمية خاصة بسبب موقعه الجيوسياسي، فهي قريبة من العالم العربي وبخاصة مصر ومقابلة لشواطئ المملكة، ويمكن أن تكون البوابة الخلفية لإفريقيا السوداء وشمال إفريقيا.
ومن أجل تصدير الثورة الإيرانية من خلال المؤسسات أو المراكز الثقافية التي تنشر الفكر الشيعي وتوجد العديد منها في السودان، وتعزيز نفوذها من خلال نشر جهودها في البلدان العربية والمجتمعات الإسلامية التي تعيش في شرق إفريقيا، وخصوصاً السودان، وأن الاهتمام الإيراني بالسودان قد أتاح لها فرصة استراتيجية لا تعوض لإيجاد قاعدة حيوية لها في السودان تمارس من خلالها نشر مذهبها وسياستها وتفرض ضغوطها السياسية والأمنية عبر البحر الأحمر، ومنطقة القرن الإفريقي، بهذا الحضور القوي في السودان الذي تعتبره إيران بوابتها على القارة الإفريقية والبحر الأحمر.
إن الوجود العلني الحذر للشيعة في السودان بدأ منذ النصف الأخير للثمانينات من القرن الماضي بعد ما يُعرف بالثورة الخمينية وازدهرت أثناء تولي الرئيس السوداني السابق عمر البشير نتيجة لكونه منتميا لجماعة الإخوان المسلمين، وتركز تواجدها في الخرطوم وأم درمان وشرق النيل و حالياً في بورتسودان، كما أن هناك مؤشرات عديدة تؤكد وجود مد شيعي في السودان، برعاية إيرانية من بينها زيادة عدد معتنقي المذهب الشيعي وانتشار الحسينيات، ما يهدد بازدياد النزعات الطائفية ويمهد الطريق لعدم الاستقرار السیاسي والاجتماعي وتحويل السودان لدولة تابعة لمحور إيران.
وبينت بعض المصادر أن أول منظمة شيعية في السودان هي جمعية الرسالة والتضامن، التي تم تسجيلها بشكل رسمي في العام 1984م، وقامت بأنشطة كثيرة، منها معارض بالجامعات السودانية وخاصة في جامعة النيلين، وهذه الجمعية تعتبر أول نواة لعمل شيعي في السودان، وللشيعة في السودان ما يعرف بالحسينيات، وهي أماكن تجمع الحسينيات التي اُستبدلت مكان الجوامع والمساجد، وقد تعددت المصادر عن عددها وتوزيع هذه الحسينيات في السودان، حيث بلغ عددها في العام 2012م 114 حسينية في مقدتمها حسينية المرتضى بمنطقة الخرطوم شرق والتي أسست في العام 1990م.