وصف متخصصون في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن دعوة التنظيم الدولي لجماعة “الإخوان “في مصر (وهي جماعة محظورة ومصنفة إرهابية)، بإجراء “مصالحة” مع النظام السياسي، بالمحاولة الفاشلة التي جاءت ضمن مبادرة متناقضة، سبقها قبل ذلك ما يصل إلى 100 مبادرة على حد قولهم.
وأوضحوا أن الرفض لهذه “المصالحة” لن يكون من جانب السلطات المصرية بقدر ما سيكون من الشارع، على إثر الأعمال الإرهابية التي قام بها التنظيم، قبل وبعد ثورة 30 يونيو/ حزيران الشعبية في عام 2013 التي لفظتهم من المجال العام في مصر.
وأثارت الدعوة التي أطلقتها جماعة “الإخوان” على لسان حلمي الجزار، نائب القائم بعمل المرشد العام للجماعة، صلاح عبد الحق حول إجراء “مصالحة” واعتزال السياسة لمدة 15 عاما قادمة، ردود أفعال واسعة النطاق، وسط تجاهل تام من السلطات المصرية نحوها، ليصف مراقبون الأمر على أنه تقسيم أدوار بين أفرع الجماعة المصنفة “إرهابية” في مصر، على الرغم من التناحر القائم بين تلك الجبهات داخل التنظيم.
100 مبادرة
ويقول الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب: “منذ تفكيك تنظيم الإخوان، على خلفية ثورة المصريين في يونيو/ حزيران 2013، تحاول الجماعة المحظورة العودة إلى المشهد السياسي والدعوي والاجتماعي، من خلال بعض المبادرات التي طرحت من جانبهم، وعندما لم يجدوا أي اهتمام بالأمر سواء على مستوى مؤسسات الدولة أو الشارع، كان العمل الدؤوب من جانب منصاتهم على تشويه النظام السياسي في مصر”
وأضاف في حديث لـ”إرم نيوز”: “وبعد مرور أكثر من 10 سنوات، وعندما ظهر مدى إخفاق التنظيم في الخارج وتفككه بصورة كبيرة في ظل “احتقاره” شعبيًا، كان طرح مبادرة جديدة من قيادات التنظيم بالخارج، سبقها قرابة 100 مبادرة”.
وأوضح أديب، أن الهدف من هذه المبادرة في هذا التوقيت، التمني بإعادة إنتاج أنفسهم مجددا، واستغلال الأوضاع الإقليمية التي تحدث في المنطقة، ولكن أكبر مشكلة تواجههم بطرح هذا النوع من المبادرات، تناسيهم أن “الخصومة” ليست سياسية، ولكنها مرتبطة بـ”الدم” وأنها مع الشعب أكثر من كونها مع النظام السياسي.
وأشار إلى ما يحيط مثل هذا النوع من المبادرات من انقسامات داخل التنظيم، حيث وصل الحال إلى أن كل قسم يرى أنه ممثل للتنظيم، مثل جبهة “إبراهيم منير” التي أصبحت حاليا جبهة “صلاح عبد الحق” وهي ترى ضرورة الانفراد بالمشهد السياسي داخل التنظيم والتراجع خطوتين إلى الخلف للتعامل مع الواقع بإظهار رغبتها في العمل الدعوى لفترة لتجد طرق العودة إلى العمل السياسي.
كما لفت أديب إلى أن هناك جبهة أخرى “محمود حسين” تجد ضرورة في الانتقام من الشعب الذي عزل “محمد مرسي”، وأن بينها وبين الشارع “دمًا” يجب القضاء به، فضلا عن مجموعات أخرى لها حسابات متداخلة.
“الحلم بالعودة”
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد، أكد أن هذه الدعوة تأتي وسط انشقاقات واسعة داخل الجماعة، تحاول من خلالها التعامل مع تحديات، منها عدم القدرة على كفالة الأسر والعائلات الإخوانية التي يقبع رجالها في السجون كعقوبة على جرائم ارتكبت من جانبهم، في ظل عدم قدرة التنظيم على كفالة هذه الأسر ذات المستويات الاجتماعية العالية والكلف المعيشية المرتفعة بأغلبها.
وأشار في حديث لـ”إرم نيوز”، إلى تراجع تمويل الجماعة؛ لأن الممولين وجدوا أن القيادات الحالية “فاشلة”، وأنه لا توجد أي فائدة من دعمهم ماديًّا، لافتًا إلى أن هذه الدعوة ليست الأولى حيث كان هناك العديد منها من جانب “إبراهيم منير” قبل وفاته عندما تحدث عن الاستعداد للتفاوض وكذلك مبادرة يوسف ندا.
وقال إن هذه المبادرة تأتي مع عدم قدرة قيادات التنظيم على مواجهة قواعدها في ظل انكشاف حجم أكذوبة تحقيق النصر وعقب “بيع” أحاديث “حماسية” عن استمرارية التنظيم. لكن في النهاية، لا يتضرر سوى الأسر والعائلات في الداخل، في حين أن القيادات “الهاربة” في الخارج، تعيش بشكل راق وينتفعون بمصالح شخصية من التنظيم.
وأضاف أن “الإخوان” يحلمون بما كانوا عليه قبل عام 2011، عندما كانت جماعة “محظورة”، ولكنها تتمتع بمزايا لم تكن متوفرة للمعارضة “الشرعية”، حيث كان للتنظيم مقر علني ومنصب مرشد “محصن” على حد وصفه، لدرجة جعلتهم يستقبلون زيارات لمسؤولين أجانب من بينهم رؤساء دول، فضلاً عن السماح لهم بالسيطرة على النقابات والاتحادات الطلابية، مشددا على أن عودة هذا الأمر مجددا من المستحيلات.
وتابع أن ما وصفه بـ”الحلم” بتكرار صفقة الرئيس الراحل أنور السادات مع الجماعة في سبعينات القرن الماضي لن يُسمح به مجددا، في ظل أن الخصومة والرفض في الأساس من الشارع.
“رفض الشارع”
وبين الباحث في الإسلام السياسي أحمد عبد الحميد، أن رفض أي “مبادرة” من جانب تنظيم “الإخوان”، يقوم على مرجعية شعبية من الشارع الذي عانى من هذا التنظيم بعدما تاجر بالدين، مؤكدا أن هذه الجماعة “محظورة” بحكم القانون، وليس لها أي “صيغة” للحديث بمبادرات سواء مع الشارع أو النظام.
وشدد عبد الحميد في حديث لـ”إرم نيوز”، على أن “الخصومة” هذه المرة مختلفة عن ما ترتب عن حادث محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عام 1954، والمزاحمة على الحكم حينها، وأيضا عن ما حدث في عام 1965 مع “سيد قطب” الذي خطط لتدمير البنية التحتية ونسف شبكة السكك الحديدية ومحطات توليد الكهرباء و”القناطر الخيرية” لإغراق منطقة “الدلتا”؛ لأنه حينها كانت المواجهة مع النظام، أما هذه المرة، فالخصومة “شعبية” من جانب الشارع الذي خرج في ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013 والتي على إثرها تحركت مؤسسات الدولة ضد هذا التنظيم.
وأشار إلى التناقض الإخواني الذي حاصر هذه المبادرة “الخبيثة” على حد وصفه، يأتي في ظل تفشي الانقسامات داخل التنظيم ووجود جبهات متناحرة. ومع ذلك، فهناك “تقسيم أدوار” بين الجبهات وقياداتها بالخارج، من جبهة تدّعي “الجهاد” أمام حاضنات التنظيم الدولي، وجبهة أخرى تطرح “المصالحة” في مخاطبة مع أهالي المسجونين.