للجنوب كوطن وشعب قضية وطنية عادلة لا يختلف عليها اثنان , لكنهم – اي الجنوبيين – لم يحسنوا التعامل مع قضيتهم هذه , والأنكى والأمر انهم ايضا لم يحسنوا التعامل مع بعضهم البعض , ولم يستغلوا الفرص الكثيرة والكبيرة التي اتيحت ولازالت تتوالى أمامهم , ولازال هدر الفرص سمة ملتصقة بالاداء العام للجنوبيين على مختلف مشاربهم , ونخشى ان ينطبق على حالنا في نهاية المطاف ما انطبق على تاجر قريش في قديم الزمان الذي يحكى أنه ذهب الى الشام ذات مرة عازما على شراء مجموعة كبيرة من ” الأصنام ” كي يبيعها في مكة المكرمة لعامة الناس من قريش كونهم يعبدون الأصنام حينها , وكانت رحلته الى الشام قد ترافقت مع بداية الدعوة للاسلام , غير أن صاحبنا الذي ذهب لشراء الأصنام, طاب له المقام هناك, فتأخر في العودة , وبعد اشهر عدة , حمل بضاعته الكبيرة من الأصنام على قافلته واتجه بها عائدا الى مكة المكرمة , وحينما وصل اليها مستبشرا بأنه سيبيعها باغلى الاثمان وفي فترة زمنية قصيرة, وجد ان جميع أهل مكة قد دخلوا الاسلام ! وبالتالي لم يجد من بين القوم من يشتري من بضاعته صنما واحدا .. فكانت خسارته قاصمة للظهر.
أتمنى أن لا ينتهي بنا المطاف في الجنوب كما انتهى الحال به مع تاجر قريش , اي ان تسبقنا الأحداث وتفرض علينا واقعا مرا يكون في مجملة كارثة كبيرة علينا جميعا , خاصة وأن الحقائق والمؤشرات تنبئ بأن الخيارات لدينا باتت ضيئلة, وأن ترف الزمن في طريقه الى الانحسار, وأن الخيار الوحيد المتبقي هو ” ترتيب البيت الجنوبي ” و ” تحقيق اصطفاف وطني شامل ” لمواجهة كافة المشاريع والسيناريوهات المحتملة التي تقوم في الأساس على دفن مشروعنا الوطني وهو استعادة الوطن الجنوبي كدولة مستقلة بحدودها الدولية المعروفة يوم 21 مايو 1990 م… ان عملية ترتيب البيت الجنوبي وتحقيق اصطفاف وطني جاد لم تنجز حتى الان , وهي تحتاج منا جميعا الى تنازلات كبيرة لبعضنا البعض وليس على حساب قضيتنا وجوهرها.
وفي تقديري .. ان على بعض الأطراف والشخصيات الجنوبية التي لم تتفاعل مع الارادة الشعبية في الجنوب , وفضلت ان تتجاهل هذه الارادة وتتجاوزها بغير وجه حق معتبرة أن مخرجات ما يسمي بالحوار الوطني في صنعاء تمثل هذه الارادة زيفا وتعديا عليها , أن تراجع موقفها مرة أخرى , وفقا للحقائق التي تتشكل اليوم على الارض والتي تقول بأن ” الحوثي ” بات اليوم هو الطرف المهيمن بشكل مطلق على اغلبية المساحة الجغرافية للجمهورية العربية اليمنية وهي الدولة التي توحدنا معها , وأن هذا الطرف المهيمن لا يمكن ان تقيم معه اي شكل من اشكال الشراكة الوطنية , أو أن يحتكم الى مخرجات موفنبيك خاصة وانه هو الطرف الذي قام بالانقلاب عليها , وعلى هادي بسبب رفضه لها.
ومن جانب آخر , نجد أن الحديث اليوم عن أي ” تسوية سياسية ” محتملة برعاية الأمم المتحدة لا يمكن ان ينتج عنها الا اتفاقية يحصل فيها الحوثي على نصيب الأسد , ويكون فيها الطرف الأقوى والمهيمن على مقاليد الحكم , وهذا ما ترغب فيه وتسعى له الكثير من “القوى الشمالية ” وبعض القوى الدولية وفقا لما شرحت في مقالي السابق, وعلى الرغم من أن الجنوب بمجملة سوف يرفض مثل هذه التسويات التي تتجاوز حقه المشروع والتي تتعدى على سيادته الوطنية وتفرض عليه وصيا جديدا من صنعاء, الا أن ذلك لن يحمي الجنوب من الدخول في حالة من ” الفوضى ” والاستقطابات الحادة , وعدم الاستقرار التي يمكن أن تطول وتتشعب وتكون لها تداعيات كبيرة نحن في غنى عنها, خاصة اذا ما وجد الحوثي من بين صفوفنا من يقبل التعامل والتعاون معه طمعا في منصب أو في غنيمة أو جاه , وفي هذه الحالة – ان حدثت لاسمح الله – سنكون وكأننا قد اعدنا عجلة التاريخ الى عام 2015 قبل بداية عاصفة الحزم حينما تغلغلت جحافل الحوثيين في مختلف مناطق الجنوب مع اختلاف جوهري مخيف , وهو انه لن يكون لدينا عاصفة حزم جديدة يمكن ان تقدم لنا العون والمدد… فهل هذا وحده يكفي كي نعي خطورة المرحلة ؟ أم ان البعض منا لا يستطيع تقدير الخطر الا اذا اكتوى بناره ؟!
الأكيد في الأمر أن الفرصة لازالت سانحة امامنا كجنوبيين اليوم لمواجهة هذا الخطر مجتمعين , ولكن هذا يتطلب منا الانفتاح على بعضنا البعض بشكل اكبر , وعلى قاعدة الشراكة الوطنية , وايضا الحوار بجدية مع بعض الحلفاء المحتملين من الشمال الذين لن يكونوا في مأمن هم ايضا من هيمنة وطغيان وتجبر الحوثي شريطة ان يعوا تماما جوهر قضيتنا وهدفنا الوطني المشروع