نجحت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن، في جر الولايات المتحدة وحلفائها إلى مواجهات عسكرية مباشرة، عقب تصاعد الهجمات التي تنفذها في مياه البحر وباب المندب تحت شماعة “نصرة غزة” ودعم “القضية الفلسطينية”.
على الرغم من زيف الادعاءات والحجج التي تطلقها الميليشيات الحوثية للتستر وراء الهجمات البحرية التي تنفذها، إلا أن الصراع العسكري في البحر الأحمر بين الطرفين دخل مرحلة تنذر بحرب إقليمية ظهرت مشاهدها على سواحل البحر الأحمر وباب المندب، خصوصاً بعد الضربات الأميركية البريطانية فجر الجمعة 12 يناير 2024، على مواقع تابعة للميليشيات الحوثية في عدة محافظات يمنية؛ ليوسع الحوثيون بالمقابل هجماتهم ضد السفن التجارية والحربية لتشمل السفن التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا.
ومع تأزم الوضع وارتفاع مخاطر توسع الصراع، إلا أن الإدارة الأميركية تحاول جاهدة مع حلفائها الابتعاد عن توسيع الحرب في مياه البحر الأحمر، ومحاولة تجنيب هذه المنطقة الحيوية للاقتصاد العالمي الانزلاق في مربع الفوضى. وهذا التوجه برز من خلال الاتصالات المتكررة التي تلقتها طهران خلال الأيام الماضية من دولة أوروبية أو من الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن لأجل كبح وكلائها في اليمن ومنع مزيد من التصعيد واستمرار استهداف السفن وتهديد الملاحة الدولية.
إيران تنقل الفوضى
عمدت إيران على دفع ميليشيات الحوثي لتكون رأس حربة المواجهة ضد الولايات المتحدة، تحت خانة “محور المقاومة” التي تناهض إسرائيل. واستغلت طهران موقع محافظة الحديدة الواقعة جنوب البحر الأحمر وقرب باب المندب لتكون بمثابة الشوكة التي ستجذب الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة ستكون تكلفتها كبيرة على إدارة الرئيس بايدن. ومنذ نوفمبر الماضي ظلت الاستهدافات الحوثية على السفن التجارية التي ترتبط بعلاقة مع إسرائيل أو لرجال أعمال وشركات في تل أبيب. وهذه الاستهدافات تم إحباطها بشكل متكرر من قبل القوات الأميركية والبريطانية التي عززت تواجدها العسكري قبالة سواحل اليمن.
تعنت الحوثيين على تهديد الملاحة الدولية جنوب البحر الأحمر قابله إصرار كبير من قبل الولايات المتحدة التي تبنت في 18 ديسمبر قيادة تحالف عسكري لردع تلك الهجمات وتأمين الملاحة أطلق عليه اسم “حارس الازدهار” وتشارك فيه عدة دول أبرزها بريطانيا. تمكنت هذه القوات من إحباط الكثير من عمليات الاستهداف التي طالت سفنا تجارية تبحر بين قناة السويس وباب المندب قبالة السواحل اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
من خلال متابعة التصريحات الإيرانية حول التطورات الحاصلة في البحر الأحمر، يمكن التأكيد على أن “طهران” نجحت في نقل الفوضى والصراع مع الولايات المتحدة إلى بعد آخر عبر ذراعها في اليمن. وعقب اختطاف الحوثيين لسفينة “جالاكسي ليدر” التابعة لشركة يابانية في 19 نوفمبر الماضي أثناء مرورها قبالة سواحل الحديدة، أصدرت الخارجية الإيرانية على لسان متحدثها ناصر كنعاني، نفياً بعلاقتها بالحادثة، وأن هذا تصرف مستقل من الحوثيين ومن تلقاء أنفسهم وبناءً على مصالحها ومصالح شعوبها.
لكن حقيقة الدور الإيراني في المنطقة تكشف بوضوح من خلال تصريحات أطلقها وزير دفاع طهران، أمير آشتياني، كان آخرها مطلع يناير الماضي، الذي أكد أن منطقة البحر الأحمر خاضعة لسيطرتهم، ولا يمكن لأحد أن يتحرك في هذه المنطقة -في إشارة إلى القوات الأميركية والبريطانية. التصريحات رافقتها تحركات عسكرية إيرانية، من خلال إرسال المدمرة الإيرانية “ألبرز” القتالية برفقة سفينة “بهشاد” العسكرية إلى مضيق باب المندب تحت غطاء تأمين الملاحة الدولية والتصدي للقرصنة البحرية.
وأكدت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدريان واتسون، إن معلومات الاستخبارات الأمريكية التي رفعت عنها السرية مؤخرا تشير إلى أن إيران “متورطة في التخطيط للعمليات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر”. وأضافت واتسون ان المعلومات الاستخبارية تشير إلى أن “الدعم الإيراني طوال أزمة غزة مكن الحوثيين من شن هجمات ضد أهداف بحرية، على الرغم من أن إيران كثيرا ما أرجعت سلطة اتخاذ القرار العملياتي للحوثيين”.
وتابعت: “إيران لديها خيار تقديم هذا الدعم أو حجبه، والذي بدونه سيكافح الحوثيون لتتبع وضرب السفن التجارية التي تبحر في ممرات الشحن عبر البحر الأحمر وخليج عدن بشكل فعال”.
وذكرت أن المعلومات الاستخباراتية تشير أيضا إلى أن الإيرانيين قدموا أنظمة مراقبة للحوثيين، وأضافت إن “المعلومات التي قدمتها إيران كانت حاسمة في تمكين الحوثيين من استهداف السفن البحرية منذ أن بدأت الجماعة هجماتها في نوفمبر/ تشرين الثاني”.
وقالت: إن الطائرات بدون طيار والصواريخ التي استخدمها الحوثيون في الهجمات قدمتها إيران أيضا، كجزء من تسليحها للجماعة المتمردة منذ عام 2015.