جددت جماعة الحوثي تهديداتها باستهداف الملاحة الدولية بالبحر الأحمر والانتقام لمقتل عناصر مليشياتها على يد البحرية الأمريكية قبل نحو أسبوع، على الرغم من التحذيرات على انعكاسات ذلك على الوضع الإنساني في اليمن في ظل التحذيرات الغربية للجماعة من مخاطر استمرارها والتلويح بالتصدي العسكري لها.
تجديد التهديدات جاء على لسان رئيس المجلس السياسي للجماعة مهدي المشاط في كلمة له ألقاها أثناء ترؤسه لاجتماع لقيادات مليشيات الجماعة في الحديدة السبت، اعتبر فيها مقتل عناصر المليشيات الأسبوع الماضي بالبحر الأحمر تدشيناً لمعركة جديدة مع “العدو” أطلق عليها اسم معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
المشاط قال إن هجمات جماعته على الملاحة الدولية فرضتها الأحداث في فلسطين، وزعم بأن “القرآن فوض الجماعة بأن تدافع عن المستضعفين في أرض الله”، مهدداً باستمرار هذه الهجمات “مهما كان الثمن”، مؤكداً أنها ستستمر حتى “وقف العدوان ورفع الحصار” عن غزة، وأنها جاءت من أجل فرض “السلام وفرض حياة كريمة لأهل غزة”.
هذه المزاعم والمبررات التي رددها المشاط في خطابه حول هجمات جماعته ضد الملاحة الدولية وربطها بالأحداث في غزة والدفاع عن الشعب الفلسطيني تتناقض تماماً مع سلوك وتصرفات جماعته في اليمن وما ارتكبته بحق الشعب اليمني خلال السنوات الماضية.
فحديث المشاط وتبريره للهجمات بأنها من أجل رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، يفضح الحصار الذي تفرضه الجماعة منذ 8 سنوات على مدينة تعز ورفضها فتح الطرقات الرئيسية نحو المدينة وكذا بين المحافظات اليمنية، على الرغم من الدعوات والمناشدات وجولات المفاوضات التي جرت عقب الاتفاق على الهدنة الأممية قبل نحو عامين.
وكان آخر إشارة إلى هذا التناقض، دعوة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح في كلمة له ألقاها في تدشين قوات المقاومة الوطنية للعام التدريبي 2024م الخميس، حيث دعا الكيان الإسرائيلي إلى رفع حصاره عن غزة ودعوة الحوثي في نفس الوقت برفع حصاره عن تعز.
أما مزاعم الحوثي وحديث رئيس دولته المشاط عن “فرض حياة كريمة لأهل غزة”، فيفضحه الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني وتصفها الأمم المتحدة بأنها الأكبر في العالم جراء الحرب التي فجرتها مليشيات الحوثي بدعم من إيران منذ مطلع 2015م.
بل إن الجماعة شنت خلال الأسابيع الماضية حملة شرسة ضد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة على خلفية قراره إيقاف برنامج المساعدات الغذائية بمناطق سيطرتها بسبب عدم الاتفاق مع سلطة الجماعة على تخفيض عدد المستفيدين من هذه المساعدات نتيجة نقص التمويل من 9.5 مليون إلى 6.5 مليون شخص، وهو هجوم يُعد اعترافا ضمنيا بحجم الكارثة الإنسانية التي تسببت بها.
ومنتصف الشهر الماضي نشر إعلام الحوثي خبراً عن اجتماع عقده “المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية” التابع للجماعة في صنعاء لمناقشة خطة الاحتياج والاستجابة الإنسانية للعام 2024م، حيث أشار رئيس المجلس إلى أن حجم المعاناة والأزمة الإنسانية التي يمر بها أبناء الشعب اليمني “لا تستطيع الأرقام التعبير إلا عن الجزء الضئيل منها”.
في حين أن مزاعم مشاط الحوثي عن محاولتهم “فرض السلام في غزة”، يفضحه المقامرة التي تقوم بها جماعة الحوثي حالياً من خلال الهجمات بالبحر الأحمر بكل جهود السلام في اليمن والتي امتدت لنحو عامين للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب والدخول في مفاوضات التسوية السياسية.
وتوجت هذه الجهود بإعلان المبعوث الأممي أواخر ديسمبر الماضي عن توصل “الأطراف للالتزام بمجموعة من التدابير” ضمن خارطة طريق ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، وتم الترحيب بذلك من قبل مجلس القيادة الرئاسي والسعودية والإمارات ودول الإقليم والعالم في حين ترفض جماعة الحوثي إلى اليوم إعلان موقفها من ذلك.
هذا الصمت الحوثي اعتبر رفضاً غير معلن لما أعلنه المبعوث الأممي، وتعزز ذلك بموقف الجماعة الحوثية أواخر الأسبوع في إفشال عقد جولة مفاوضات الأسرى والمختطفين التي كان مقررا انعقادها بالأردن إلى أجل غير مسمى للمرة الثانية، حيث كان من المؤمل أن يمثل نجاح هذه الخطوة مؤشراً إيجابياً على البدء في خطوات جدية لتنفيذ خارطة السلام في اليمن