بعد نحو 11 يوماً على ظهور القيادي في حزب الإصلاح (الفرع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن) الداعية الشهير عبدالمجيد الزنداني، مفتياً بوجوب طي خلافات جماعته مع مليشيا الحوثية، ومتهماً ضمنياً حكومات عربية بالانحياز للاحتلال الإسرائيلي، وخذلان غزّة، أبدت جماعة الحوثي استعدادها طي صفحة الماضي شريطة الاصطفاف سويا لمواجهة “أعداء الأمة”.
التخادم السياسي والرسائل الإعلامية الغزلية المتبادلة بين جماعتي (الإخوان – الحوثيين) في اليمن، تتوالى تباعاً على أكثر من نسقٍ ومستوى، على وقع تصاعد ركام الدمار في غزة، وتزايد هجمات الحوثيين على سفن التجارة في البحر الأحمر، في تطور دراماتيكي ينقل جماعتي الاسلام السياسي بشقيه (السني -الشيعي) من حالة التكتيك المرحلي والتقية وتبادل الأدوار، إلى الاصطفاف العلني المباشر.
تكامل خطابي (زنداني- بخيتي) بعباءة دينية
ففي تناغم تام وتنسيق رفيع المستوى يأتي تصريح القيادي الحوثي، محمد البخيتي، متوافقاً مع مضامين محتوى تصريح الزنداني، تحريضاً وتعريضاً بالحكومات والانظمة العربية في (مصر، السعودية، الاردن، الامارات، لبنان، سوريا)، واتهامها ضمنياً بالخيانة و”هدم عُرى الدّين” والانحياز “الظالم والمساندة الجائرة للكيان الصهيوني”، حسب مضمون خطابهم.
حسب الباحث والمحلل السياسي والاعلامي، فهد نشوان، فإن طغيان الخطاب الديني للجماعتين شخصيات ومحتوى وتغطيات اخبارية وفتاوى دينية، يوحي باستهداف الجماعتين عواطف ومشاعر الشعوب العربية والاسلامية بشحنات تحريضية انتقامية ضد الحكومات العربية، في ما يعتبر نسخة ثانية من مشروع الفوضى الخلاقة، الذي بشرت به الخارجية الأمريكية عام 2004م وجاء تحت شعار موحد في كل الوطن العربي (الشعب يريد إسقاط النظام).
ويرى نشوان أنّ جرائم اسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة منذ 7 اكتوبر الماضي رفعت منسوب الاحتقان لدى الشعوب العربية والاسلامية في البلدان المجاورة وغير المجاورة لفلسطين، وأنّ خطاب الكراهية والتحريض على العنف كان ولا يزال يستهدف جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والاردن والامارات منذ اللحظات الاولى في عملية 7 اكتوبر 2023، بل إن حجم المحتوى الاعلامي التحريضي ضد الدول العربية يفوق بكثير حجم المحتوى الاعلامي المخصص للضحايا والقضية الفلسطينية.
مناصرة غزّة بهدم الدول العربية المجاورة
في مقطع فيديو بثه نجله محمد على موقع (إكس)، أوجب القيادي الاخواني عبدالمجيد الزنداني، على “جميع المسلمين حكاماً ومحكومين وحكومات (خاصة الدول المجاروة) النفير العام وفتح معسكرات التجنيد، واتخاذ الخطوات اللازمة لنصرة المجاهدين”، بينما جاء تصريح القيادي الحوثي محمد البخيتي أكثر صراحةً ووضوحاً بدعوته من اسماهم “قبائل بلاد الحرمين الشريفين” بالتحرّك “لمواجهة أعداء الأمّة دفاعاً عن كرامتنا وعزّتنا ونصرة لاخواننا في فلسطين”، معتبراً أحداث غزة “فرصة لكم للتحرّك على أرض صلبة ومن منطلقات صحيحة”.
واتهم البخيتي ضمنياً الحكومة السعودية بما أسماه “هدم لعُرى الاسلام، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، والزج بالعلماء والمعارضين في غياهب السجون”، في تطور وتناسق لافت مع تصريح الزنداني الذي أوجب على “كل فئات المسلمين فعل كل ما هو مطلوب ليكونوا قادرين على القيام بواجب النصرة لإخوانهم”، مضيفاً في هذا السياق إنّ “ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب”.
ويرى الباحث الاجتماعي والمحلل السياسي والإعلامي، فهد نشوان، أنّ فكر وعقيدة الجماعتين وأيديولوجيتهما الدينية، تقوم على أساس عداء الدولة الوطنية، باعتبارها فكرة أجنبية تحفظ الحقوق والحريات وتؤمن بالوطن والمواطنة وفق حدود جغرافية، وتمكّن الشعوب من حكم نفسها بنفسها، عبر أُطر قانونية ناظمة، وبالتالي فهي تجرّد هذه الجماعات من ارتداء عباءة الدين للاستحواذ على السلطة والتحكم بمصائر الشعوب.
مصطلحات كراهية متطابقة وفكرة كهنوتية راسخة
من هذا المنطلق يعتقد نشوان، أنّ القضاء على تلك الدول في فكرهم يعد هدفا استراتيجيا لإقامة خرافة دولة (الخلافة- الولاية)، منوهاً إلى أنّ مصطلحات خطاب الجماعتين تأتي متشابهة وشبه متطابقة مثل “النفير العام، التحرك، هدم عُرى الدين، مجاهدين، واجب النصرة”، وغيرها من مصطلحات العنف الخطابي والتحريضي.
وقال: “بما أن الغاية واحدة تأتي الادوات والمصطلحات متشابهة فهي تخرج من مشكاة واحدة”، فجذور فكرة الكهانة ذاتها تبقي الجماعتين على ارتباط وثيق وصلة دائمة بمشروع خرافتي قيام (الخلافة- الولاية) على أنقاض الدولة الوطنية، مذكراً بتصدر الزنداني التبشير للاولى عام 2011، وغير مستبعد استمرارهما في “تهيئة الأسباب”، لتحقيق الفكرة الكهنوتية ذاتها، ولكن هذه المرة على مسرح “بلاد الحرمين الشريفين”